دعوات تداول الليرة التركية بدلاً من السورية ليست في مصلحة محدودي الدخل – محمد السلوم

تعالت في الفترة الأخيرة الأصوات الصادرة عن مؤسسات إعلامية محسوبة على الثورة مطالبة بضرورة التحوّل إلى الليرة التركية في التعاملات المالية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، هذه المؤسسات تنسب اقتراحها هذا إلى “خبراء اقتصاديين” دون أن توضح من هم هؤلاء الخبراء.

إن كل من يطالب بالتحوّل إلى الليرة التركية هم حتى الآن حسبما شاهدت من أصحاب رؤوس الأموال السوريين المقيمين في تركيا ممن يواصلون تجارتهم هناك، وهم يسوقون مبرراً واحداً لدعوتهم، هو أن النظام يستفيد من التحويلات المالية بالعملات الصعبة التي تدخل إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، وأن هذه التحويلات تصب في نهاية المطاف في صالح دعم اقتصاد النظام ومن ثمّ ماكينته العسكرية التي تعود على المناطق الخارجة عن سيطرته قتلاً وتدميراً.

كل هذا صحيح، ولكن من يطالب بالتحوّل لليرة التركية لم يذكر لنا لماذا الليرة التركية دون غيرها، وماهي مميزات الانتقال إليها، هل في ذلك منافع حقيقية من اختيارها دون غيرها تعود على المواطن السوري المقيم في الداخل؟

المنفعة في الواقع ستعود على رجال الأعمال السوريين المقيمين في تركيا، فالتحول لليرة التركية سيوسع أمامهم أسواق العمل والزبائن، ومجال تصريف بضائعهم.

تشير مراجعة بسيطة لأداء الليرة التركية خلال السنوات الخمس الماضية إلى أنها فقدت قسماً لا بأس به من قيمتها، حيث انخفضت قيمتها من ١.٥ ليرة أمام الدولار في ٢٠١١ إلى ٢.٧ ليرة أمام الدولار في الوقت الحالي (شاهد الصورة على المقال)، وذلك يشير إلى أن الليرة التركية ليست هي الخيار الآمن للمواطن السوري، الذي يعاني أصلاً من انهيار في عملته المحلية.

ثم ما الذي يعنيه التحوّل لليرة التركية للمواطن السوري في الداخل، ذلك يعني قطع أية صلة إقتصادية مع باقي المناطق السورية، فالبضائع السورية التي تعد عماد الأسواق في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لن يعود من الممكن لها التواجد في هذه المناطق، وسيتم استبدالها بأخرى تركية.

ثم إن استبدال العملة يجب أن يستند على استقلال مادي عن النظام، وذلك غير متحقق، فما زالت الرواتب التي يقدمها النظام بالليرة السورية تشكّل النسبة الأكبر من السيولة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، فهل ستتخلى هذه المناطق عن هذه الرواتب وهي عماد حياة آلاف الأسر فيها؟ أم أن التشكيلات المعارضة ستقدّم للأسر التي تعتمد على الرواتب في معيشتها بديلاً عنها بالليرة التركية؟

لعل كل من عاش في تركيا وفي الداخل السوري يعرف جيداً أن البضائع التركية أغلى بكثير من مثيلاتها السورية التي تعدّ بديلاً جيداً للمواطن ذي الدخل المحدود، ناهيك عن أن البضائع التركية التي يجري توريدها إلى الداخل السوري هي بضائع سيئة النوعية ولا يمكنك أن تجدها في أي مكان في تركيا، وقد جربت البحث عنها بنفسي في تركيا، ولم أوفّق، كما أنني لم أوفّق في إيجاد أية بضائع تركية تعرض في تركيا في الداخل السوري، ثمة بضائع خاصة تقدّم للداخل السوري، بضائع سيئة الجودة تكفل لصاحبها هامشاً كبيراً من الربح دون أي اهتمام بتقديم بضاعة ذات نوعية عالية للمستهلك السوري في الداخل، والذي لن يجد في ظل الانفلات الأمني والقانوني في الداخل سبيلاً لإلزام هؤلاء التجار بإنتاج بضائع ذات جودة مناسبة.

إن المطالبة بالتحوّل لليرة التركية تصبّ في جيوب الصناعيين والمستثمرين السوريين المقيمين في تركيا فقط، دون الاكتراث للمواطن السوري المسحوق بالداخل، والذي سيزيد هذا التحوّل من سحقه ومن أعبائه المالية.

التعليقات متوقفه