مصابو “الشبيحة” بلا مستقبل مع إهمال النظام لهم – محمد عثمان

يُتركون لمصيرهم بعد أن أصبحوا عبئاً على من دفعهم في يوم من الأيام ليقولوا على الملأ “الأسد أو نحرق البلد”، فقد أحرقوها فعلاً واحترقوا معها ليخرجوا من هذا الحريق الهائل الذي يجتاح البلاد دون توقف إما مبتوري الأطراف أو مصابين بشلل نصفي أو عمى كلي أو جزئي دون نسيان الحروق التي تطبع علاماتها على أجسادهم وتشوه ملامحهم بلا أمل بالشفاء.

يطلق الإعلام التابع للنظام السوري عليهم اسم “جرحى الجيش العربي السوري والقوات المسلحة” دون أن يتم ذكرهم بوسائل إعلام النظام بشكل مباشر زيادةً في إهمالهم، فلا قيمة لهم بعد أن يصبح الواحد منهم معاقاً.

لا يكترث بهم أحد لاسيما الجيل الأول من متطوعي مليشيا الدفاع الوطني، وهي الميليشيا المساندة للجيش النظامي في المعارك ضد قوات الثوار والتي يعاني أفرادها من إهمال تام بمتابعة العلاج مما أثر سلباً على وضعهم النفسي، حتى أن بعضهم يرفضون الخروج للقاء الناس ويكتفون بالذهاب للمستشفى العسكري لتغيير الضماد أو الحصول على بعض الادوية.

واقع مزرٍ ومستقبل مجهول

محمود أحد المتطوعين الأوائل في مليشيا الدفاع الوطني (الشبيحة) فقد طرفيه السفليين نتيجة لغم أرضي أصابه أثناء قتاله في ريف إدلب عام 2012، وهو شاب أعزب لم يسبق له الزواج، تزوره في بعض الأحيان مجموعات تطوعية وطنية كما يطلق عليها عادة تعطيه بعض الإعانات العينية ومبلغاً مالياً ويأخذون بعض الصور ويرحلون دون عودة.

“نحن مواطنون من الدرجة الثانية” يستهل محمود حديثه بالإشارة الى أن مصابي الدفاع الوطني هم من الفئة غير المفضلة للعلاج لدى النظام الذي سخّرهم أصلاً لحماية المناطق الساحلية التي تسلموها بالكامل خلال العامين الماضيين إلى جانب بعض القطع العسكرية، لكن أثناء الاشتباكات تبقى الأولوية لعلاج جرحى الجيش الذين أسست لهم نقاط طبية متنقلة أثناء معركة كسب العام الماضي بينما يتلقى مصابو مليشيا الدفاع الوطني علاجهم ضمن المشفى الوطني أو مشفى الأسد الجامعي في اللاذقية في حال كثر عدد الجرحى في الاشتباكات، ويشرف عليهم طلاب الطب البشري المتدربون الذين يسهمون في زيادة الحالة سوءاً ليكون مصابو الدفاع الوطني “فأر تجارب” لمتدربي المشافي الحكومية!

يتولى مصابو الدفاع الوطني تكاليف علاجهم بالكامل ولا يقبضون تعويضاً في حال ثبت طبياً عدم قدرتهم على العودة للقتال كما أنهم لا ينالون ميزات جرحى الجيش النظامي من مساعدات وإمكانية الحصول على فرص عمل في دوائر الدولة أو منحة للانطلاق بمشاريع صغيرة تساعدهم على كسب الرزق.

ينوه محمود إلى أن بعض الجمعيات الخيرية بدأت تتنبه لوضع هذه الفئة المنسية تماماً وتتوجه إليهم في بعض الأحيان لإخضاعهم لدورات تأهيل وتدريب، لكنها بالتأكيد لا يمكن أن تغطي الجميع فالعدد كبير جداً على حد قوله ولا يوجد اهتمام جدي بهم وبمتطلباتهم، الأمر الذي يراه واجباً على الدولة التي وعدتهم بالكثير في حال حصل لهم مكروه لكنها غضت الطرف عنهم، كونها أتاحت لهم المجال لارتكاب السرقات أو التعفيش كما يقال له باللهجة الدارجة والاستفادة من سرقة بيوت المناطق المدنية التي يقتحمونها وهو أمر أشار له بشار الأسد في أحد اجتماعاته، في إشارة إلى أن “حقهم قد قبض أضعافاً مضاعفة قبل الإصابة” وهو أمر ينفيه محمود بشكل مطلق في إشارة إلى “محاولة النظام لصق جميع الممارسات السلبية بالدفاع الوطني” الذي يعتبره “خط الدفاع الأول عن الوطن” بحسب تعبيره ولم تسجل به أية حالات فرار أو هروب لأن الكل أتى طائعاً ولم يفرض عليه القتال فرضاً، على عكس حال عناصر قوات الجيش!

بائعو الأوهام

“لا أريد سوى العودة  للمشي” هذا لسان حال رغيد المقاتل في الدفاع الوطني والمصاب بشلل نصفي نتيجة قذيفة أصابته في دير الزور عام 2013 جعلته حبيس كرسيه المدولب الذي تبرعت به إحدى السيدات المحسنات، فراتب رغيد الذي كان يقبضه كمتطوع توقف بعد إصابته مباشرة مما يجعله أقل من العسكري الذي تستمر وزارة الدفاع بتحويل راتبه إليه حتى بعد إصابته، وحالياً لديه هاجس السير من جديد حتى أنه عرض منزل أهله للبيع لتأمين أربعة ملايين ليرة ثمن عملية زرع الخلايا الجذعية التي أخبره عنها أحد الأطباء مؤكداً له إمكانية نجاحها وعودته للسير مجدداً.

أما شقيقته التي تشرف على رعايته فهي تعتبر أن هذه العروض هي مجرد عمليات للنصب والاحتيال تعرض لها شباب كثر قبل أخيها رغيد منوهة أن شبكات من الأطباء مهمتها إجراء مثل هذه العمليات التي تفشل عادة لكنها تبيع الوهم للمصاب الذي تسوء حالته بشكل مضاعف بعد فشل العملية ولن يكون وضعه أفضل في حال رفض ذووه إجراءها، لأنه سيعتبر الأمر تقصيراً منهم بحقه، فمن غير المنطقي أن تبيع الأسرة مسكنها أو أرضها لتدفع مقابل مثل هذه الأوهام لكن ذلك لن يقنع الشاب المصاب الذي يريد العودة لعنفوانه المفقود بأي ثمن، مما يجعل حياة الأسرة بأكملها تتحول لجحيم لا يمكن أن يطاق.

دعم مفقود وحياة بائسة

يحاول النظام بذل جهود وهمية للعناية بشريحة المعطوبين من رجاله، فتراه أحياناً ينظم لهم حفلات زفاف جماعية أو يشملهم ببعض المساعدات التموينية الطابع لكن تبقى مسألة تأمين الأطراف الصناعية من أكثر المعوقات التي لم يتم تأمين حل لها، ففي المنطقة الساحلية لا يوجد سوى مركز واحد مقره طرطوس متخصص فقط بمصابي الجيش ويحتاج إحالات وأرواق معينة لتأمين الأطراف اللازمة، كما أن الجهات الأهلية تحاول شراء بعض الأطراف لكن هذه المحاولات لا يمكنها سد الطلب الكبير، فهناك إحصائيات غير رسمية تتحدث عن وجود أكثر من 20 ألف مصاب ببتر علوي أو سفلي أو إصابة أقل سوءاً.

يرى معتز وهو أحد المتطوعين بالفرق الشبابية التي تعنى بمثل هذه الحالات أن بعض المصابين لا يستطيعون التعامل مع وضعهم الجسدي الجديد ولا يخضعون لدروات تأهيل نفسي يحتاجها من هم في مثل وعيهم، مما يتسبب بدخولهم في حالة انطواء ورفض للواقع دفعت بعضاً منهم لمحاولة الإنتحار، لاسيما بعد أن صدموا بتخلي النظام عنهم و عجز الجهات الأهلية عن مساعدتهم بحجة نقص التمويل وعدم قدرتهم على استئناف ما كانوا يقومون به قبل الانخراط في صفوف “الدفاع الوطني” كما أن نظرة الشفقة في عيون المحيط تزيد من الضغط عليهم بشكل أكبر.

مواقف ثابتة

لم تتغير مواقف هؤلاء المصابين بالرغم من كل ما سبق من النظام، لكن خيبة أملهم من وضعهم الجديد أثرت على حماسهم له لا بل على متابعتهم لمجرى الأحداث، حتى أن علاقاتهم برفاق القتال تنقطع نهائياً في العادة دون رجعة، إضافة لعدم قدرتهم على تأسيس حياة اجتماعية جديدة رغم محاولات ذويهم مساعدتهم في هذا المجال عن طريق السعي لتزويجهم ودفعهم لتأسيس أسرة جديدة.

وتبقى القصة الأشهر التي انتشرت في اللاذقية مؤخراً عن زوجين شاركا في عرس جماعي أقيم لمثل هذه الحالات وبعد أقل من شهرين وقع الطلاق، يذكر الأهالي القصة في إشارة إلى صعوبة الانطلاق من جديد وسط إمكانات تأهيلية ضعيفة، فالزوجة لم تستطع تحمل العناية بالزوج الفاقد لقدمه وذراعه الأيمن بالكامل وهذه هي الحالة الوحيدة المعلنة وسط أقاويل وإشاعات كثيرة تنتشر بين السكان تتحدث عن خيانات زوجية لا تعد ولا تحصى.

التعليقات متوقفه