قمحانة: بين التشبيح والثورة – محمد السعيد

قمحانة

بين التشبيح والثورة

محمد السعيد

 

ملأت الدنيا وشغلت الناس ونُسِجت حولها القصص والحكايات وصار أسمها إن وجد على بطاقة شخصية لأحد ما لعنةٌ عليه في بقاع عريضة من البلاد ومنجاة من بلاء عظيم في بقاع أخرى.

موقع قمحانة

البلدة التي لجأ إليها كل راغب ثراء وطالب تشبيح مما يجاورها ومن المدن والقرى ونسب نفسه وأفعاله إليها وربما قتل ودفن فيها.

عُرِف شبيحتها بقسوتهم ووقاحتهم ومجاهرتهم بما أجرموا به باسم حب الوطن وهم يرون الوطن من ثقوب الحذاء العسكري الذي يرتديه رأس النظام. سمعة السوء لازمت ولزمت البلدة بشراً وحجراً بفعل شبيحتها وإيذائهم للخلق على طول البلاد وعرضها.

واليوم والثوار على تخومها وفي مخيلة كل منهم أخ مقتول أو عزيز مفقود أو رزق منهوب أو عرض مسلوب!

قمحانة اليوم على موعد مع الحرية فهل سيدخلها الثوار محررين أم منتقمين؟ ورغبة من فريق الغربال أن يكون سابقاً ومواكباً للحدث قبل أن يكون مجرد ناقل خبر قمنا بإعداد التقرير التالي:

في البداية من حقنا أن نتسائل بعض التساؤلات التي لا بد من الإجابة عنها:

– أين تقع بلدة قمحانة؟

– كيف استطاع النظام أن يجعل من قمحانة مركزاً للتشبيح؟

– ماذا تعني بلدة مثل قمحانة للنظام؟

– ماهي طبيعة تكوين قمحانة الطائفي؟

– هل شاركت قمحانة في فعاليات الثورة وهل تملك ثواراً أو كتائب على الأرض؟

من الإنترنت - شاركت قمحانة بالحراك المدني في حماه منذ بدايته

قمحانة بلدة من بلدات ريف حماه الشمالي، تبعد عشرة كيلو مترات عن مدينة حماه، وهي ممتدة على سفح جبل زين العابدين شرقاً إلى ضفة العاصي الشرقية غرباً، وتتبعها سبع مزارع وتحيطها شبكة معقدة من الوديان والتضاريس ما يفسر أهميتها الاستراتيجية بالنسبة للنظام كحصن قوي وأخير للحفاظ على حماه التي طالما قضت مضجعه منذ نشأته قبل أربعين سنة.

يسكنها حوالي سبعة عشر ألف نسمة، جميعهم من السنة الشافعية باستثناء بيت شيعي واحد حديث العهد إلى ما قبيل الثورة، أما اليوم فيعد فيها أبناء الطائفة الشيعية بالعشرات لا أكثر.

ويمكن تصنيف سكانها –بشكل تقريبي- على الشكل الآتي:

– ثلاثون بالمئة من سكانها من الفلاحين البسطاء، رماديو اللون لم تشغلهم الثورة بحراكها ولم يجذبهم النظام للتشبيح في صفوفه، يخرجون صباحاً إلى زروعهم ويعودون مساءاً. فباتوا بمأمن من الشبيحة إلا قليلاً، وبمأمن من الثوار الذين ما عرفوا عنهم أذى وتشبيحاً.

– أربعون بالمئة من المؤيدين، وقد سلكت هذه النسبة مسالك التشبيح؛ إن كان عن طريق حمل السلاح بشكل مباشر أو بالوقوف على الحواجز أو بالتشبيح الإعلامي أو بالوشاية ونقل الأخبار.

سقى بذرتهم ورعاها في بداية الثورة عميد متقاعد من المخابرات اسمه نبهان سباهي، ودعمهم بقدرات عائلته المادية، التي اكتسبوها من تشبيحهم في الثمانينات، وقد أخرج مجرمي البلدة من السجون، فبات آل سباهي قدوة ومآلهم بات حلماً لكل طامح ثروة، ظاناً أن الأمر شبيه بتلك الحقبة وأن الثورة مسألة أيام وينتصر النظام ويناطح من وقف في صفه النجوم.

وتعددت أسباب التشبيح، فمنهم من شبّح عن إعتقاد، ومنهم من شبّح لكسب ثروة، ومنهم من شبّح لاتّقاء شرّ الشبيحة أنفسهم! ومنهم من شبّح لأسباب عائلية وطائفية، ورغبة في إطفاء حقد قديم، وكل ذلك بدراية ووعي وإدراك من استخبارات النظام الذي أراد لقمحانة ذلك المكان بحكم أهميتها له كموقع إستراتيجي.

ويقسم الشبيحة كما في كلّ البلاد إلى من يتبع للمخابرات الجوية، ومن يتبع للدفاع الوطني، ومن يتبع لأبي الفضل العباس، ومن يتبع لكتائب البعث، وأغلبهم لم يكن رأس حربة يوماً في معركة أو حملة بل كانوا يسمّون بكتائب الجراد، مهمّتهم السلب والنهب والتنكيل بعد انتهاء الجيش من تدمير المكان، ولشبحيتها حظوة عند العقيد المعروف سهيل الحسن!

خرج شبان من قمحانة في أولى تظاهرات حماه من جامع عمر بن الخطاب، وكانوا الدفعة الأولى من ضحايا الأمن العسكري، وخرجت أولى المظاهرات في قمحانة في جمعة أطفال الحرية، وكانت أغلب مظاهراتها تنتهي بإصابات وجرحى.

خاص - قمحانة

فتحت قمحانة أبواب مدارسها عشية نزوح حماه رمضان 2011، وكانت حينها السطوة للأحرار على مستوى حماه وريفها بما فيها قمحانة، وأرتقى فيها أول شهيد على يد الجيش “ماهر عبد الرحمن” في 3-8-2011، وارتقى فيها أول شهيد على يد الشبيحة “محمد سودين” في 3-1-2012، وداهمها الجيش برتل ضخم في 21-2-2012، واعتقل منها المئات وجعل منها مركزاً لقواته وكان ذلك آخر عهد الثوار فيها وبداية الفترة الذهبية للشبيحة.

لها عدة كتائب مقاتلة ومعروفة في الريف الشمالي، عرفوا بامتناعهم عن الإعلام بسبب الظروف الأمنية ووجود ذويهم بين يدي الشبيحة، فلم يُعلن يوماً عن اسم شهيد من قمحانة رغم أنهم فاقوا العشرين، دفنوا غرباء عن أرضهم بصمت، ومنهم من لم يعلم آباؤهم وأمهاتهم باستشهادهم إلا بعد حين، وليس آخرهم القائد العسكري في الجبهة الإسلامية في المليحة الأستاذ أبو خالد حيدرة “محمد حمادة”، وليس أولهم الإعلامي أحمد حمادي مصور بابا عمرو، وآخرين تحت التعذيب. كما أن العشرات من شبابها ما زالوا يقبعون في السجون وعمرهم في الظلمة من عمر الثورة، قضى بعضهم تحت التعذيب وغيرهم مجهولي المصير. ناهيك عن عدد لا بأس به من أبنائها الذين غادروها بعد دخول الجيش إليها ويتوزعون الآن في قرى ريف حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي.

أخيراً: قمحانة لها ما لها وعليها ما عليها وقد حكمتها ظروف السياسة والجغرافية، واليوم هي أقرب ما تكون إلى الحرية والتحرر من الشبيحة بعد أن بات الثوار قريبين منها أكثر من أي وقت مضى.

فهل سيكون ثوارنا محررين لها مخلصين لمدنييها الذي أحكم عليهم الشبيحة الخناق منصفين لمعتقليها وشهدائها، أم سيأخذون الصالح بذنب الطالح وستغلب لغة الانتقام على لغة التحرير؟

التعليقات متوقفه