غموض الجريمة وتداخل الألوان – حسن الشرتح

غموض الجريمة وتداخل الألوان

حسن الشرتح

قتْلُ جرذ في غابة جريمة لا تُغتفر، وهتك شعب آمن؛ مسألة فيها نظر، من المفارقات في هذا العالم أنه يستطيع أن يرى سمكة لا يتجاوز طولها بوصة في أعماق المحيط؛ ولم يستطع أن يرى مدناً بسكانها أصبحت أثراً بعد عين.

عندما يكون القاضي أصمّاً، والمحامي أبكماً، والشهود عمياً، عندما يقف قاضي التحقيق شهوراً على باب المجرم يستسمحه معلناً جاهزيته لبدء التحقيق، ليلقى الجواب: لا، لم أنتهِ بعد من إتمام جريمتي، عندما لا تعدّ الطائرة والمدفع والدبابة والصاروخ أدوات جريمة، عندما يكدّس الأطفال أشلاءً على الرصيف، كبضاعة فاسدة عند بائع الخضار، بانتظار ترحيلها إلى مكبات القمامة، عندما يكون ذلك المنظر مُستساغاً تُستطاب معه القهوة الصباحية لناظريه من البشر، عندما لا يعرف المقتول لماذا قُتل، والقاتل لماذا قَتل، عندما تستجير الأوطان بكل أباليس الأرض من أبنائها، الذين آلوا على أنفسهم أن يجعلوها في الدرك الأسفل من جهنم،بحرب طُمست أسبابها تحت ركام حضارتها وأشلاء أطفالها، عندما يجد الجلاد من يربّت على كتفيه، ولا تجد الضحية من يدفنها، ولا اليتيم من يمسح على رأسه، عندما يصبح المجرم بطلاً، والضحية إرهابياً مجرماً، عندما يُرفع اسم الله شعاراً، تُنتهك فيه حرمات الله وعباده، وأهلُ البيت شعاراً تدمّر فيه بيوت الله، واسم المهدي شعاراً يُستباح فيه الإنسان والحيوان والنبات،عندما تصبح هيأة الأمم وسيلة لطمس حقوق الأمم في العيش بكرامة، عندما يصبح مجلس الأمن الحضن الدافئ، والملاذ الآمن لكل للمجرمين؛ لما يتمتّع به أهله من حقوق نقض لكل الحقوق الإنسانية للإنسان؛ مما يحمي المجرم من أية عبارة تجرح خاطره، مع توفير كل وسائل الجريمة ليستمر في غيّه براحة تامة، عندما وعندما وعندما…

فعندها، تصبح العدالة الإنسانية مادة مضحكة خلف ستار مسرحية شاهد ماشفش حاجة! وعندها فتّش عن الإنسانية في زمن مارسيل بروست المفقود، وفتّش عن تلك العدالة في كليلة ودمنة، وليس في مدن أفلاطون وابن خلدون الفاضلة، التي انقرضت تحت غبار الإهمال في سجون أبي زعبل وتدمر وأبي غريب العتيدة، عندها نسأل فرويد: هل نحن بشر؟ فيجيب زراديشت: لم تكونوا موجودين حين وضع سلم الأمم في هلسنكي؛ لذا إذا أردتم أن تضعوا لكم مكاناً فأتوا بخشبة من نعش الإنسانية التي دفنت منذ زمن بعيد، وضعوها في أسفل السلّم، وقفوا عليها لعل العالم يراكم إذا نظر إلى قدميه، فلو نظرنا إلى أعلى، وأردنا أن نرى الهوة التي تفصلنا عن الأمم؛ نرى عندها الفرق الكبير بين الواقع وما نفكر به، عندئذ نعلم لماذا انقلبت ألوان الطيف من أحمر إلى أخضر، ومن أصفر إلى أزرق، وقوس القزح الذي كان ظهوره يسبق الغيث، فقل لي بربك ماذا يعني الآن!

التعليقات متوقفه