في هشاشة الوطنية السورية – حمزة رستناوي
في هشاشة الوطنية السورية
حمزة رستناوي
الوطنية شعور إيجابي يربط الأفراد القاطنين على جغرافيا معينة فيما بينهم, بحيث يغدو لهم تاريخ وثقافة وذكريات وإنجازات ورموز وإخفاقات مشتركة..الخ، وتمارس الوطنية فعاليتها ودورها عبر الانتماء الوطني والهوية الوطنية المشتركة التي تميّز هؤلاء الأفراد عن غيرهم من الأفراد والمجتمعات.
إن الوطنية السورية بالمعنى السابق لم تنضج في سياق تاريخي وثقافي طبيعي, كما في نماذج الوطنية الفرنسية والألمانية والروسية والصينية..الخ, أي نماذج الدولة الأمّة, بل هي وطنية متعلّقة بالكيان السياسي السوري, وهو كيان نتج عن اقتسام تركة الرجل المريض واتفاقية سايكس بيكو 1916 وما تلاها, دون أدنى اعتبار لرأي السكان القاطنين.
يمكن تقسيم الدولة السورية تاريخياً إلى خمس فترات متداخلة خلال ما يقارب القرن، أي منذ عام 1918: الحكم الفيصلي، الاستعمار الفرنسي مع دول مجزّئة، الاستعمار الفرنسي مع دولة موحدة، مرحلة عدم استقرار تناوبت فيها على السلطة حكومات ديمقراطية ضعيفة مع انقلابات عسكرية، مرحلة حكم البعث والديكتاتوريات العسكرية وبما يشمل الأسدين.
والمُتأمِّل لتاريخ الدولة السورية يجد هشاشتها، فهي لم تصبح كياناً مستقراً إلا في ظل الحكم الاستبدادي للأسدين, وهو استقرار خادع قائم على القمع والاكراه, وتغييب المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني والسياسي.
لم يستطع التاريخ المشترك للسوريين -لما يقارب القرن- إنتاج وطنية سورية قادرة عن منافسة الهوية العربية الإسلامية, أو حتّى الهويات الفئوية الطائفية والمناطقية والعرقية, هذه الهويات التي لعب النظام الاستبدادي الطائفي للأسدين دوراً مهما في تقويتها, كونه لم يشتغل على تعزيز الوطنية السورية, ولا حتّى طرحها للتداول والنقاش العام, بل قام بتمويهها, مستخدماً قناعاً إيديلوجياً عروبياً مع شكل جوهراني فئوي طائفي, وقد لعبت المعارضات البائسة الإسلاموية منها والشيوعية والبعثية والناصرية دوراً مكمّلاً ومساعداً له على ذلك.
بالتأكيد يوجد عند السوريين تاريخ مشترك, ورموز وطنية إيجابية؛ سياسية وثقافية يحق لهم الافتخار بها, على سبيل المثال لا الحصر: يوسف العظمة، إبراهيم هنانو، سلطان الأطرش، صالح العلي، سعد الله الجابري، شكري القوتلي، نزار قباني، سعد الله ونوس، صباح فخري..الخ، ولديهم بالمقابل تاريخ أكبر من الإخفاقات السياسية والعسكرية, خاصة في حروبهم مع إسرائيل.
مع انطلاق الثورة السورية في آذار 2011 وانكسار حاجز الخوف, خضعت الوطنية السورية لاختبار حقيقي وقاسٍ.
فأن يقوم أي شعب بثورة ضد نظام استبداد سلطوي, من المفترض وفي الظروف الاعتيادية –وبغض النظر عن انتصار الثورة من عدمه– من المفترض أن يبقى مُوحّداً في حال وجود وطنية راسخة ومستقرّة, وحتّى في حال وجود انقسامات وهذا أمر متوقّع جداً في أي مجتمع, لا تكون هذه الانقسامات عادة ذات طابع على مستوى الهويّة أو ذات طابع عامودي.
لقد فشل الشعب السوري حتى الان وفي المدى المتوسط في هذا التحدّي, فالنظام الأسدي يقاتل كعصاباتٍ مرتزقة فقدت انتماءها الوطني, يقاتل كقوة احتلال, ويستعين بمليشيات طائفية شيعية وافدة عبر الحدود: حزب الله – لواء أبو الفضل العباس.
والمعارضين في عمومهم يُغَلِّبون البعد العقائدي على البعد الوطني في صراعهم معه, ويطرحون بدائل لوطنية عقائدية سنّية تتنافى مُقَدِّمَاتُها مع مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية, دولة المواطنة المتساوية, وعلى سبيل المثال لا الحصر: جيش الاسلام، جيش محمد، دولة العراق والشام الاسلامية، جبهة النصرة، كتائب الفاروق، أحفاد الرسول..الخ، في ظل غياب استراتيجية سياسية فاعلة وانقسام قاتل.
ملاحظة: ما عرضته أعلاه كان بمثابة قراءة ناقدة –من وجهة نظر معينة- في الوطنية السورية, ولم أتعرض فيها للرؤى المستقبلية والبدائل الممكنة في الشرط السياسي الراهن لثورات الربيع العربي, وتداعياتها.
التعليقات متوقفه