يوم بكى مذيع التلفزيون – خطيب بدلة

يوم بكى مذيع التلفزيون

942615_498624940218370_1410083604_n

خطيب بدلة

بحسب توجيهات الرفيق أحمد اسكندر أحمد وزير الإعلام السوري الأسبق، ووزراء الإعلام اللاحقين الذين لم يحيدوا عن خطه قيد أنملة، فإن كل شيء، أو عمل تنتجه الدولة السورية يجب أن (يُقَيَّدَ) في خانة عطاءات القائد التاريخي حافظ الأسد لهذا الشعب المسكين.

ومن كثرة ما (أعطى) حافظ، و(أخذ) الشعب، قال النُحاةُ: إن حافظ الأسد رجل (معطاء)، والشعب السوري شعبٌ (مئخاذ)!

وكانت فروع حزب البعث العربي الاشتراكي في المحافظات تترجمُ هذه الحالة (العَطائية) إلى صور تلفزيونية متشابهة، يُنقلُ بعضُها على الهواء، ويُقَدَّمُ بعضها الآخر ضمن تقارير إخبارية مطولة، يُضْطَرُّ المواطن السوري إلى مشاهدتها، خلال شهر كامل، عدة مرات في السنة. وبالتحديد في مناسبة الثامن من آذار (مارس)، والسابع من نيسان (أبريل)، والسادس من تشرين الأول (أكتوبر)، والسادس عشر من تشرين الثاني (نوفمبر)، وبعدما (استشهد) الرائد الركن المظلي باسل حافظ الأسد وهو يتصدى للاستعمار والصهيونية بسرعة (280) كيلومتر في الساعة على طريق مطار دمشق الدولي، أصبحت بعض العطاءات تُقَدَّمُ للشعب في شهر كانون الثاني (يناير) إكراماً لهذا الشهيد، ولروحه الطاهرة!

اللوحة الرئيسية التي كانت تُقَدَّمُ في تلك الهمروجات، هي تلك التي يكتبون عليها (بتوجيه من السيد الرئيس حافظ الأسد، قام الرفيق فلان أمين فرع كذا لحزب البعث العربي الاشتراكي، بوضع حجر الأساس لمبنى الـ كذا كذا..) وهذا يحصل حتى ولو كان المبنى غرفتين مع منافعهما ينام فيهما حارس في قرية “بسقلا” الملتصقة بكفرنبل من جهة الجنوب!.. ويجب أن يكون أي احتفال من هذا القبيل مترافقاً مع طبل وزمر ودبكة وزغاريد.

ولأن نظام الأسد كان، وما يزال، مبتلى بهاجس (العلاك)، ومولعاً بمبدأ التكرار الذي يُعَلِّمُ الحمار، فقد كان كل مبنى يُشَادُ في سوريا يُحْتَفَلُ فيه مرتين، أو بموجب همروجتين، المرة الأولى هي همروجة إرساء حجر الأساس، والثانية همروجة التدشين الذي يكون بعد سنة أو سنتين أو ثلاث من الإرساء، وأحياناً يوضع حجر الأساس لبناء، ويُنسى من عين أصله، (وقد يُلغى فيبقى الحجر مزروعاً على الأرض مثل الخازوق!).. وأحياناً يُدَشَّنُ بناءٌ ما ثلاث مرات هي: أولاً، إرساء حجر الأساس، ثانياً، التدشين، ثالثاً، الترميم! والترميم ضروري حينما يكون نهب الأموال المخصصة لهذا العمل قد تجاوز على الحدود المتعارف عليها (الستاندارد)!.. وفي حدود علمي أن مبنى مشفى المعرة -مثلاً- دشن أربع مرات، ولم يصبح صالحاً للاستعمال مع ذلك!

روى المخرج هيثم حقي على صفحته حكاية معبرة يمكن أن نختم بها هذا المربط الغزلاني، تقول إن اثنين من كبار أساتذة الفلسفة بجامعة دمشق اللي درسوا بفرنسا أيام الحرب العالمية الثانية وتربوا على الثقافة الغربية اشتركا في برنامج تلفزيوني على القناة الأولى في التلفزيون السوري، وأخذ كل منهما يعدد مقولات ومفاهيم الحرية عند الفلاسفة من أفلاطون لليوم، وأما المذيع فكان يقاطعهما قائلاً: والسيد الرئيس حافظ الأسد له قول مهم في هذا السياق!

ويستشهد بقول لحافظ الأسد لا علاقة له بالموضوع من قريب أو بعيد! وكان الأستاذان يتجاهلانه، ويمعنان في شرح مقولات جان بول سارتر وغيره..

دواليك حتى غُلِبَ هذا المذيع (الاسكندري) على أمره، وطلب من المخرج أن يضع فاصلاً إعلانياً.. وقبل أن ينفذ المخرج الفاصل أخذت له لقطة عفوية، وإذا به يبكي!

التعليقات متوقفه