نحن أمةٌ تأكل أبناءَها – عبد الباقي زيدان

نحن أمةٌ تأكل أبناءَها

عبد الباقي زيدان

–       جاسم مقاتل… جاسم بطل مغوار… جاسم قائد مقدام… جاسم جبان رعديد متعاون مع العدو!

–       عمرو شيخ… عمرو عالم… عمرو علامة تقي ورع… عمرو مارق زنديق!

–       زيد محسن كريم يتصدّق على الفقراء… زيد سرق مال الفقراء وإغاثتهم!

–       فلان سوف يتولى موقع كذا… إنه الرجل المناسب للمكان المناسب… فلان ألم يجدوا غيره فأبوه كذا وأمه كذا…

لماذا كلما تولّى شخص مهمّة معينة صفقنا له وهللنا، وبعد أيام صار من أسوأ الناس، فالاتهامات جاهزة وليس من الضروري الإثبات ولا القرينة ولا الدليل, هل المشكلة في الشخص نفسه أم في المجتمع؟ لماذا كلما تولى شخص مهمّة بدل أن ندعو الله له بالتوفيق يصبح مرمى لاتهامات جزاف؟ يتداوله العامة في سهراتهم ومقاهيهم بأفظع الصفات والكل يعرف سوابقه الموبقة؟

لاشكّ أن هذه الظاهرة هدّامة للمجتمع لعدة عوامل:

منها أنها تزرع الخوف والإحجام عند الأشخاص الأكفاء، وتمنعهم من ممارسة دورهم البنّاء والضروري، طالما سوف يُتّهمون ويساء إليهم.

ومنها أن الحكم المسبق على الشخص قبل التثبت من صلاحه أو عدمه؛ يثبت نظرية مفادها أن كل من يتولّى فاسدٌ، بل كل من سيتولى سيصير فاسداً بالضرورة!

ومنها أيضاً خلق فجوة بين المسؤول والناس، وكلما تباعدت هذه الفجوة فرزت المجتمع لطبقتين؛ صفوة فاسدة وشعب مغلوب، لا يوجد من يحس به أو يعيش همومه، وكلما صعد منه مسؤول؛ تنكر لأهله واستبدلهم ببطانة على مزاجه، تكيل له المديح والتصفيق والتزمير والتطبيل، وصار ألعن من سابقه.

ولكن لماذا أمتنا هي التي تختص بهذه الظاهرة؟ وكيف نشأت وما هو علاجها؟

ربما تعود نشأة هذه الظاهرة إلى أننا ابتلينا لسنوات طويلة على الأقل لقرنين مضيا بمسؤولين لا يناسبون مواقعهم، وصلوا لهذه المواقع بطرق غير نظيفة، ابتداء من ولاة العثمانيين وانتهاء بأصغر مسؤول حالياً حتى صار ذلك تعميماً بل قل: قانوناً.

 وربما تعود هذه الظاهرة لعدم وجود قناة نقد بنّاء نظامية حرفية حقيقية، لا يخاف الناس إن فعلوا أن يُسلخ جلدهم عن عظمهم ويدفعوا باقي سنوات عمرهم ثمناً لكلمة أو موقف… فصار النقد عبارة عن نكتة أو حديث عابر أو فشة خلق كما يقولون.

وربما عدم محاسبة من يروّج لإشاعة تهدف للنيل من المسؤول؛ شجّعت على تداولها وتفشيها، لمَ لا والناس متعطّشون لأكل لحم أخيهم ميتاً أو حياً… رغم أن جميع القوانين السماوية والوضعية أدركت مدى خطورة هذه الظاهرة، فعالجتها بقوة، من معالجة حديث النسوة عن امرأة العزيز، إلى حديث الإفك، ومقاطعة مروّجيه اجتماعياً، إلى العقوبات المنصوص عنها في جميع قوانين العالم الموضوعة.

وبيت القصيد هو العلاج، فمن أين نبدأ؟ من المواطن الفرد؟ أم من المجتمع؟ أم من المسؤول نفسه؟

على المواطن أن يكون على قدر من المسؤولية، واعياً يعرف ما عليه فعله، فاعلاً إيجابياً يعرف كيف ينتقد بصوت عالٍ شجاع، انتقاداً بنّاء غير هدّام دون الإساءة أو التجريح أو النيل من أحد، وإلا سيحاسب على قذفه وبهتانه.

وعلى المجتمع أن يتعامل مع هذه الظاهرة من خلال قوانينه وإعلامه ورجال دينه ومعارفه وأخلاقه وتربيته، بالمحصل حضارته، وذلك بفتح قنوات نقد نظامية حقيقية، ووسائل إعلام يعبّر فيها المواطن عن رأيه دون خوف من بطش أو ظلم.

أما المسؤول فعليه أولاً؛ الابتعاد عن الشبهات، وأن يكون واضحاً صريحاً قريباً من الناس، يرى بأعينهم ويسمع بآذانهم ويشعر بشعورهم، يحاسب نفسه من خلال إلزامها ببرنامج واضح المعالم، معلن محدّد زمنياً، وأن يكون بعيد النظر، حكيماً واعياً عاقلاً وفياً لأهله، ويعرف جيداً أنه سيعود إلى صفوف الشعب ولو بعد حين، وسيعامله الناس على أساس فترة توليه…!

التعليقات متوقفه