كلبيات – عبد العزيز الموسى – خاص الغربال

كلبيات

075852_2008_08_21_13_51_31

عبد العزيز الموسى – خاص الغربال

لا نخلو من مغص حضاري إذا واتتنا الكهرباء، ومنه التلفاز وأفلام كارتون ولو لنصف ساعة تتولد فيها ارتدادات سامة تهطل على مساحة الخاطر حتى مع برامج الأطفال. تقول فتاة صغيرة في التلفزيون الذي يتكلّف أن يكون حضارياً، ولا علاقة له بما يدور ولا بروائح الموت والبارود والقتل والمجازر في كل مكان. تقول الطفلة وأنا أفطر مع الأولاد: يا فرحتي, يا فرحتي لقد عاد باندي. من باندي هذا, كلبها الصغير الشارد عاد. يا لفرحتنا جميعاً بعودته!

مسلسلات الكلاب غزوة حضارية هذه الأيام لها دلالتها, وهذا الإيقاع الحضاري على ما يبدو كان ينقصنا! يعلّموننا كيف نحسن معاملة الكلاب! يا للحضارة, كلاب متشرّدة وتم تعليبها وتدجينها لتتحول لكلاب ملتزمة وأصيلة.

آه, فهمنا المراد, يلمحون لنا أننا لم نستطع القيام بالدور الذي استطاعته الكلاب قبلنا! كلاب ملوّنة وكلاب نظيفة وهناك كلاب جرباء لا تكف عن إثارة الشغب والعواء على الرائح والغادي, كلاب من كل الأصناف ولديها شهادات موثّقة عن أصولها ومنبتها ولا تطمح كلها إلا لإرضاء السادة والالتزام بتعليماتهم الحنونة.

يا لمجد الكلاب! وها قد عاد بطل المسلسل باندي أخيراً, أخشى على الأولاد وهم قدام البيت أن يعودوا؛ ليس برفقة باندي الموفور المدلل المنعم النظيف؛ بل على نقالة أو أذرع الناس المنتخين من صاروخ عابث أو من شظية في الظهر, ربما من لطمة حنونة من دولاب سيارة ثائرة جامحة تتخطّر مع صوت مسجلة ثائرة هي الأخرى، داخل سيارة أوربية غالية، لم يدفع من ثمنها إلا هذه الجملة: (إنزل ولك وهات مفاتيح السيارة, أو أنك تريد أن نطبّنك في مؤخرتها)! وسيختار أن ينزل ويسلّمهم السيارة ومفاتيحها ويفر إن أكرموه ناجياً بجلده.Print

ثقافتنا كلها ثقافة كلاب مدجّنة مع صاحب المُلك. الكرامة والعدالة والحق والتقدّم وحتى الحرية ألفاظ لا معنى لها، وليست التي ترسم حدود الأوّليات على الأقل الآن!

السماء تمطر علينا كلاباً، والأرض تتفوّر بالكلاب، والتاريخ يعوي كله على سيمفونيات الكلاب, يعوي ويعضّ! ونذالاتنا الكلبية خبأناها في جيوبنا الخلفية مؤمّلين أن تنبت لها ذيول كلاب دافئة أصيلة، ونرتاح هانئين من وجع العقل وجماعته المضلّة. أعيننا تبرق بآلية الضراوة الكلبية كلما لاح في بالنا عظم مارق على مساحة الجوع والتشرّد والموت والحرمان.

هل كنا قد صنعنا قدرنا أم هم الذين صنّعوه؟ هل كنا قد أخذنا أم هم الذين ألقمونا؟ ليس أمراً مهماً. فدورنا ككلاب تتدرب على مهمّتها أن نرابط على العواء، وأن نرعش ونهتزّ وندلع ألسنتنا مهدِّدين الكلاب النافرة بالويل والثبور, لابدّ للكل من دخول الصيرة مروراً من تحت النعل, كلاب أصيلة تائهة شاردة ضالة خائفة جائعة المهم الكل من هنا, لا يتأخر كلب عربي واحد!

كلاب تعرّ، وكلاب تنبح، كلاب على طولها مترفة ولم تعد نجسة، وكلاب لاهثة نابحة حيثما تحرّكت.

تشتجر فوق رأسي أجمة أصوات النباح على كل المقامات, أبحث عن مكان أوسعه لقدمي, ليس هناك مكاناً على المدى المنظور لغير الكلاب…

التعليقات متوقفه