الإشاعة – عبد العزيز الموسى

الإشاعة

عبد العزيز الموسى

الإشاعة أشبه بفيروس مرضي تلتقطه أجساد منهكة, وكما للجسم مناعته فإن للمجتمع مناعته، ووقت يفقدها تجتاحه الغزوات والتهاويل سواء كانت صحيحة أومؤسسة على أرضية لا تخلو من صحة. وترتهن الإشاعة بمبررات اجتماعية مسقمة تهيء لها وتفرش الطريق لتسير عليها أو تجري؛ ليس بقصد التعبير عن استجابة فاشلة إزاء خطورة متوقعة أو لحرف توجهات الناس عن المألوف, ولكن لإيقاع بلبلة متماهلة أومفاجئة لإجهاض تماسك المجتمع.

تشترط الإشاعة مناخات التهديد والفزع وتوقّع الكوارث حيث يفقد المجتمع مناعته ويتراجع منسوب العناد بسهولة أو بصعوبة وهذا يرتهن بثقافة المجتمع وتماسكه، ودور الشائعة أفتك في مجتمعات متخلفة وأسرع في الانتشار لرقة الموانع وتهالك الرقابات المنطقية.

الخوف والقلق والتوتر والتهديد من وباء قادم وحالات الموت الفاجع وأصوات مدعمة بشهود وروايات ومسرحيات؛ كلها تدق على القابلية العالية اللاقطة عند الناس، فتنشلّ فعالية العقل والربط والمقارنة أولاً ثم تتقحم الإشاعة إما على مهل أو تكون صاعقة تشب بسرعة النار لأن التربة النفسية مواتية مع معرفة كل واحد بأن الأجواء المتداولة لا تنسجم مع الوقائع التي تدور على الأرض.

أدرك البشر سر سريان الإشاعة في الناس منذ القديم فاستثمرها البعض ووظفها لحصد نتائج مثبطة ومبلبلة خاصة أثناء الحروب، لبث إشاعات مخذلة أو محرضة وصارت بذلك جزءأً من علم له مؤسساته ومقاييسه.

إن وجود تهديد يؤدي لتوتر يختلف حجمه باختلاف ثقافة المجتمع وحصانته, وتتدخل الخبرة والعواطف المكتسبة والميول والحاجات المعاقة في تعديل الحال أو تعميقها. الحياة ببساطة سلسلة عمليات أهمها الأمان وإعاقة إشباعه يجعل المجتمع يتوتر فيتقبل آراء منحرفة. عندما نعجز ويتهددنا الخطر بسبب الخوف والشعور بالخيبة نستجيب بكيفية مرضية لتخفيف التوتر الناتج عن فشلنا في مواجهة عائق ما، وتترافق الاستجابة بالشكوى والذعر الشديد. وهي من مؤشرات العجز عن التخلص من قسوة المواجهة التي تبقى بلا حل.

التعليقات متوقفه