أمهات الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.. معاناة مضاعفة في ظل كورونا – ملك توما

عام آخر من جائحة كورونا والعزلة تزداد في بلاد اللجوء، وخلف أبواب الغربة والوحدة أمهات يعانين مع أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهبوا لحياتهن الصبر والأمل والألم، أم محمود (24 عاماً) من مواليد مدينة حلب، واحدة من هؤلاء النسوة، تسكن حالياً في حي شعبي على أطراف مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا وحيدة دون معيل.

 “هجرني  زوجي لأنه لم يستطع تحمل فكرة أن الله رزقه بطفلة مصابة بالضمور الدماغي، وعند اكتشاف المرض في الشهور الثلاثة الأولى لم يخبر الطبيب بأنه والدها، بل قال له إنه خالها” تقول أم محمود، تركني مع طفلين دون اكتراث، تتحدّث وندوب القهر بادية على وجهها، وتضيف كنت أمضي الأيام في ممرات المستشفيات، فالأجهزة الطبية والأدوية لا تفارق طفلتي، إضافة إلى أنها فاقدة لحاسة البصر، ولا تستطيع الجلوس أو النهوض، وقد اصبح عمرها سنتان وثلاثة أشهر.

تشير “أم محمود” إلى أنها لا تستطيع العمل وترك طفلتها المريضة، أسكن الآن مع والديّ المسنين، الذين لا يستطيعان إعالة نفسيهما، وتؤكد أنها قصدت العديد من المنظمات لمساعدتها، لكن الجميع يشترطون أن تكون المرأة أرملة أو مطلقة، لكن أم محمود تركها زوجها دون أن يطلقها، وهي لا تعلم عنه أي شيء.

 لا أحد يساعدها إلا قلة ممن وصفتهم بـ”أهل الخير”، وبهذه المساعدات استطاعت شراء  كرسي لإعانة ابنتها على الحركة وجهاز تنفس بسبب نوبات الاختناق المتكررة التي تخالجها، وزاد من معاناتها انتشار فيروس  كورونا، وباتت تخاف على ولديها المريضين أكثر، وأصبحت تتجنّب الاختلاط، ولم تعد تذهب إلى المستشفيات إلا عند الضرورة القصوى.

وفي نفس الوقت تجد أم محمود صعوبة بالتواصل مع الأطباء، وتلجأ للمترجمين الذين تمّ خفض عددهم داخل المشافي العامة بسبب انتشار كورونا، وباتت تقلل من استخدام المواصلات العامة تجنباً للاحتكاك والحفاظ على خصوصية ابنتها ومناعتها.

تقول أم محمود بدأت مشاكلي منذ أولى أيام حملي، لقد كان زوجي يتركني لأيام دون طعام ودون أن يسأل عني، وتضيف أن هذا قد يكون أحد الأسباب التي أدت إلى مرض ابنتها.

السيدة (ز.ن) العاملة في لجنة “نساء الغد لدعم المرأة ” تقول إن حالة أم محمود من أكثر الحالات التي نواجهها صعوبة وتعقيداً، بسبب الظروف المحيطة بها وأوضحت أن اللجنة تحاول تخفيف معاناتها بالوصول إلى الخدمات الطبية بطرق أسهل، واستخراج الأوراق الرسمية اللازمة والترجمة.

وأشارت إلى أن اللجنة حاولت الوصول إلى الحي الذي تقيم فيه، وأقامت عدة جلسات مع جيرانها في الحي، بهدف تعزيز ثقة الأطفال بأنفسهم، وشكّلت تجمعاً لهؤلاء الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الإصابات غير الإدراكية التي تمنع من التواصل مع الآخرين، بهدف نقاش مشاكلهم بأنفسهم وتأمين شبكة علاقات مع المحيط الذي يعيشون فيه.

ولفتت إلى أن هناك عدة حالات مشابهة لأم محمود في غازي عنتاب، ومنهن أمهات أصبن بأمراض نفسية نتيجة الضغوط التي تقع عليهن، ومنهن من أخذن قراراً بعدم الإنجاب بشكل نهائي، بسبب الاكتئاب الذي يمنعهن من متابعة شؤونهن اليومية ونشوء خلافات زوجية ناتجة عن الضغط النفسي المرتبط بتلك الحالات التي يمر أطفالهن بها.

الأخصائية النفسية “إنصاف نصر” قالت إن أم محمود تحتاج إلى متابعة نفسية مستمرة من أخصائي بسبب أجواء تلك العائلة غير المستقرة والتي تعاني من التفكك، والمعاناة الاقتصادية.

وأشارت إلى أن على منظمات المجتمع المدني أن تخصص في مشاريعها استهداف مشاكل الأمهات في الدعم النفسي والاجتماعي و الاقتصادي من أجل حياة أفضل للنسوة اللواتي يعشن تحت خط الفقر في أغلب الأوقات، ومساعدة العائلات لتجاوز مرحلة الصدمة والمضي في الحياة من جديد.


وحذّرت مقرّرة الأمم المتّحدة الخاصة المعنية بحقوق الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة كاتالينا ديفانداس من أنّه لم يتمّ بذل أيّ جهد يُذكَر من أجل تزويد الأشخاص ذوي الإعاقة بالتوجيه والدعم اللازمين، وحمايتهم خلال تفشي فيروس كورونا المستمرّ، على الرغم من أنّ العديد منهم جزء من مجموعة تواجه أصلاً الكثير من المخاطر.

وأشارت خبيرة من الأمم المتّحدة في مجال حقوق الإنسان إلى أن الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة يشعرون بأنهم مُهملون ومَتروكون، وقد تكون إجراءات الاحتواء، على غرار التباعد الاجتماعي والعزل الذاتي، مستحيلة التنفيذ بالنسبة إلى من يعتمد على دعم الآخرين عند تناول الطعام وارتداء الملابس والاستحمام، فهذا الدعم أساسي لذوي الإعاقة كي يبقَوا على قيد الحياة، وعلى الدول أن تتّخذ تدابير حماية اجتماعية إضافية وأن تضمن استمرار هذا الدعم بطريقة آمنة طوال مدّة الأزمة.

وشدّدت على أن تدابير الإقامة المقبولة ضرورية لتمكين الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من الحدّ من الاتصال بالآخرين، ومن خطر الإصابة بالفيروس، كما يجب السماح لهم بالعمل من المنزل أو بالحصول على إجازة مدفوعة الأجر كي يؤمّنوا دخلاً لهم، وقد يحتاج أفراد الأسرة ومقدمو الرعاية أيضاً إلى سكن مقبول كي يتمكّنوا من تقديم الدعم المطلوب خلال هذه الفترة.

ويتنافى إهمال ذوي الاحتياجات الخاصة وأهاليهم مع المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي قال إن “لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به العوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.

تمّ إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” بتمويل من برنامج عالم كندا Global Affaris Canada

 

التعليقات متوقفه