هات شواربك والحقني – خطيب بدلة
هات شواربك والحقني
خطيب بدلة- خاص الغربال
قبل أسبوع من صدور هذا العدد الغربالي.. استشهد شابٌّ إدلبي لم يتجاوز العشرين من عمره، وهو أجرد، أمرد، لم يربِّ، في حياته القصيرة، شاربين يقف عليهما النسر،.. وبالتالي فهو لم يمشِ على العريض، ولم (يلولح) بكيس سرواله مثل (منافيخ) باب الحارة، أولئك الذين عَرَّتْهُمْ الثورةُ السورية العظيمة، وأثبتت لنا، وللعالم، أنهم كانوا (قبضايات) علينا، فقط!.. جبناءَ، رعاديدَ، يولون الأدبار للأحداث التاريخية الكبرى التي تعصف ببلادهم، لا بل إن القسم الأكبر منهم خبؤوا رؤوسهم وراء مؤخرة الاستبداد المتلتلة، مُنتظرين أن تحدث معجزةٌ ما- بعدما ولى زمان المعجزات- فينتصر الحاكمُ الظالمُ على الشعب المظلوم، ثم ليعودوا، أعني المنافيخ، لسابق عهدهم في الكذب على الناس، ولملمة بقايا موائد بيت الأسد، والخدام، والمخلوف، ومحمد حمشو، وقظَّ القرد الأزلي!
الشاب الذي استشهد- إضافة إلى كونه أمرد، لا شاربين له، ولا لحية- مجهولُ الهوية، يعني ما هو بـ (مُدَّعٍ)، ولا (مُعَنْطِز)، ولا (مُنَمَّر)، بل إنه فتى خجول، يحمرُّ وجهه حتى يصبح مثل الشوندرة المسلوقة إذا نظرتْ إليه صبية (أو- كما يقول أهلُ كفرنبل: عَجِيّة).. ومع ذلك فقد خرج، مع الألوف من أمثاله، ليدافعوا عن سوريا العظيمة، ويخلصوها من الحكم الشمولي، وليستعيدوا مجد الجمهورية السورية التي كانت لنا في الخمسينيات قبل أن يستولي الغوغائيون القوميون على البلاد، ويسلموها لقمة سائغة للعسكر الذين حولوها، بدورهم، وبعد كل حساب، إلى جمهورية وراثية (استيطانية).
قبل بضع سنوات.. حينما كان المُخْبِرُ المُطَعَّم على شاعر، المدعو (م خ خ) يستفقدنا بتقاريره (التي لا يقف عليها حكيم)، ويجرجرنا إلى الفروع والمفارز الأمنية، على طريقة (مسعود في ظهر مبارك)، كتبتُ، أنا محسوبكم، مقالة نشرتها في جريدة (النور)، ذهبتُ فيها إلى أن (الرجولة) في عصرنا الحديث، لا علاقة لها برجولة عنترة بن شداد العبسي الذي كان يرد الأعداء، ثم يطاردهم، ويخلص منهم (الحلال) و(السبايا)، ويجندلهم، ويدحرهم، ويسبيهم، ويحول انتصارهم إلى هزيمة.. ولا هي بقيادة عصابة تشليح على الطرقات الزراعية في أيام الشتاء،.. إنما هي، أعني الرجولة، في أن يعيش المرء حياته في هذه البلاد، ثم يموت وتطويه الأرض، دون أن يُضطر لمراجعة مخفر، أو محكمة، أو مفرزة أمنية إلخ..
قبل أسبوع من الآن.. حينما استشهد الفتى الأمرد، وقد شاهدتُ له صورة مرحة، يحمل فيها أخاه الذي استشهد قبله، وكلاهما يرفع إصبعيه بإشارة النصر، ويضحكان بمرح.. غيرت رأيي بمفهوم (الرجولة)…
الرجولة عندي، الآن، هي أن تقف، وجهاً لوجه، أمام التاريخ، وتقول كلمتك.. وتضع توقيعك، وليعمم النظامُ المجرم، إثر ذلك، اسمَك على الحواجز، ويمنعك من السفر، ويطارد أهلك، ويقصف بيتك، ويحرق أرضك.. وأنت لا تهتم لذلك، لأنك رجل.. من حقك أن تمشي بين الرجال رافعاً رأسك.
(ملاحظة: الرجولة هنا ليست نقيض الأنوثة.. فنساء سوريا العظيمات يقلن كلمتهن اليوم، مثل رجالها، أمام التاريخ).
التعليقات متوقفه