“الكبّاسات” حل بديل من زمن الأجداد لتأمين المياه في الغوطة الشرقية – هاني العبد الله

“أعادتنا الحرب إلى الوراء عشرات السنين” بهذه الكلمات يُلخص أبو أيمن من أهالي عربين حال سكان الغوطة الشرقية، فخلال سنوات الحصار الست، اضطر الأهالي لاستخدام طرق بدائية لجلب المياه من الآبار، ورغم سيطرة النظام على الغوطة قبل حوالي عامين تعمّد إهمال تقديم الخدمات، وبالتالي استمر الواقع مشابهاً لفترة الحصار.

تعرضت الغوطة الشرقية لحصار خانق منذ عام 2013، أجبر الأهالي على استخدام طرق انقرضت منذ عقود من الزمن، وكان منها إعادة استخدام الكبّاسات، وهي عبارة عن آلة ميكانيكية لإخراج المياه عن طريق الضغط باليد على ذراع موصول بأنابيب حديدية ممتدة إلى أسفل البئر، حيث ترتفع المياه إلى الأعلى بفعل قوة الضغط.

يقول أبو أيمن (68 عاماً): لـ”الغربال” أذكر حين كنت صغيراً كان جدي يستعمل الكبّاس لسحب المياه من البئر الذي كان موجوداً ضمن البيت العربي الذي كان يقيم فيه، فقبل أكثر من خمسين سنة كانت أغلب البيوت تمتلك كبّاسات، أو يتشارك أكثر من بيت على كبّاس واحد، لكن بعد فترة انقرضت تلك الطريقة، وباتت المياه تُضخ إلى المنازل”.

شاب يقوم بتعبأة المياه عبر الكبّاس في بلدة سقبا/فوكس حلب

بدوره قال الناشط الإعلامي ليث العبد الله: “كان كثير من سكان الغوطة قبل الثورة يستخدمون الغطاسات للحصول على المياه، وهي عبارة عن جهاز يعمل على الكهرباء أو المولدة لسحب المياه من الآبار العميقة الى المنازل، لكن عقب اندلاع الثورة قطع النظام خط المياه المغذي للغوطة الشرقية والقادم من منطقة يبرود في القلمون، فضلاً عن انقطاع الكهرباء وغلاء أسعار المحروقات، لذلك استغنى السكان عن الغطاسات، وقرروا العودة إلى الكبّاسات”.

وأضاف ليث أن “ارتفاع تكلفة تركيب الكبّاسات والتي تبلغ 250 دولار، حال دون امتلاك كثير من الناس لها، وباتت عدة عائلات تتشارك على كبّاس واحد، كما أطلقت المنظمات مشاريع لحفر آبار وتركيب كبّاسات في مختلف مدن وبلدات الغوطة، ورغم سيطرة النظام على الغوطة استمر كثير من الأهالي في استعمال الكبّاسات، نتيجة عدم وصول الكهرباء لمعظم المناطق لتشغيل الغطاس، فضلاً عن عدم صيانة النظام لشبكات المياه الرئيسية المتضررة”.

من جهته قال الصحفي غياث الذهبي: “ما ساهم في انتشار الكبّاسات هو أن المياه في أغلب مناطق الغوطة قريبة من مستوى سطح الأرض، ويتراوح عمق المياه في المنطقة بين متر واحد و20 متر، وتزداد عمقاً في حرستا وجوبر وعربين والتي يصل فيها عمق المياه نحو 30-35 متر كونها منطقة مرتفعة”.

وأوضح الذهبي أن “الكبّاسات تسحب المياه عادةً بعمق 8 أمتار، لكن زيادة الطلب على المياه في بعض المناطق أو طبيعتها الجغرافية ساهم في انخفاض منسوب المياه وبالتالي زاد عمقها، وهذا دفع الأهالي لتطوير عمل الكبّاسات من خلال إطالة ذراعها، بحيث يمكن سحب المياه بعمق 30 متراً”، مشيراً الى أن “السكان خلال الحصار قاموا بحفر الآبار بشكل يدوي كون المياه قريبة من سطح الأرض، وعندما تكون المياه عميقة أو ضمن منطقة صخرية، كانت تتولى المنظمات حفر الآبار على نفقتها”.

خلال عملية صيانة الكباسات في مدينة دوما /فوكس حلب

ويستخدم الكبّاسات اليدوية سكان الطوابق الأرضية وفي المناطق الزراعية والأماكن العامة، أما سكان الطوابق الأعلى فلجؤوا لاستخدام الصهاريج لتعبئة المياه وهو مكلف جداً، وتتراوح تكلفة شراء صهريج مياه بين 1000-1500 ليرة سورية، وبالتالي تصل كلفة المياه في الشهر إلى 10-15 ألف ليرة سورية، كون العائلة الواحدة تحتاج إلى عشرة براميل شهرياً.

وهناك من يعتمد على المياه التي يتم ضخها إلى المنازل عبر الشبكات التي أصلحها النظام، إلا أن تلك الطريقة غير مجدية أيضاً، كون هناك مناطق كثيرة لا تصلها المياه بسبب تضرر الشبكات فيها، إضافةً إلى عدم انتظام فترات الضخ، فيمكن أن تأتي المياه كل يوم أو مرتين في الأسبوع، وأحياناً قد لا تأتي أبداً لفترة طويلة، إضافةً الى أن سحب المياه يحتاج لغطاسات تعمل على الكهرباء.

مياه غير آمنة

رغم اعتماد كثير من أهالي الغوطة على المياه المستخرجة عبر الكبّاسات، إلا أنها غير صالحة للشرب، وذكر “مركز نواة للدراسات” العلمية، أن المركز أجرى دراسة مسحية لآبار الغوطة تبيّن من خلالها تلوث 62% من الآبار وعدم صلاحيتها للشرب، وخاصةً في المناطق الشرقية من الغوطة، حيث تكون المياه الجوفية أقرب لسطح الأرض وبالتالي أكثر عرضة للتلوث.

وأفاد ليث العبد الله من أبناء دوما، أن “طبيعة مياه الغوطة كلسية، كما أن كثيراً من الآبار التي تم حفرها خلال فترة الحصار غير صالحة للشرب، كون المنظمات قامت بحفرها بشكلٍ عشوائي، واختلطت مياه بعض الآبار بمياه الصرف الصحي وأصبحت ملوثة أو عكرة وبالتالي قد تسبّب الأمراض، إضافةً إلى أن استخراج المياه عبر الكبّاسات، يجعل طعم المياه أشبه بالصدأ، كون أنابيب الكبّاسات مصنوعة من الحديد بدل البلاستيك”.

كما أن نسبة كبيرة من الأمراض التي تصيب السكان في الغوطة الشرقية سببها تلوث المياه، وخاصةً التهاب الكبد والحمى التيفية والتهاب الأمعاء ولاسيما عند الأطفال، وتزداد هذه الأمراض في فصل الصيف بشكلٍ كبير، ما يعطي ضرورة لإطلاق حملات التوعية للتنبيه لخطورة استهلاك هذه المياه دون فلترة.

وفي ظل انتشار الأمراض خلال فترة الحصار نتيجة تلوث المياه، عمدت “محافظة ريف دمشق الحرة” حينها، إلى تفعيل محطات الفلترة الموجودة في الغوطة والتي تعمل على تصفية مياه الآبار من الكلس والشوائب الأخرى، عبر استخدام مواد كيميائية مخصصة لتعقيم المياه وتخليصها من الجراثيم، لكن تردي الوضع الاقتصادي لأغلب السكان وعدم قدرتهم على دفع ثمن المياه المفلترة، جعلهم يُعرِضون عن شرائها ويشربون من مياه الآبار دون فلترة.

كما عمل “مركز نواة” خلال فترة الحصار، على إيجاد حل لمشكلة تلوث المياه، فتم اختيار أكثر منطقة بالمرج ملوثة مياهها ومكتظة بالسكان، لتوزيع فلاتر ميكرونية على العائلات فيها، وهذه الفلاتر فعّالة لحد كبير في تصفية المياه من الشوائب والكلس والجراثيم، إلا أن هذا المشروع طال جزء صغيراً من أهالي الغوطة.

وفي سياقٍ متصل قال غياث الذهبي من مهجري الغوطة: “بعد سيطرة النظام على الغوطة، قام بإعادة تفعيل بعض خزانات المياه وتعبئتها بالمياه الجوفية التي تعتبر صالحة للشرب، كما أن الأمم المتحدة نشرت العديد من خزانات مياه الشرب وقامت بتشغيل محطات الفلترة، لذلك بات بعض الأهالي يعتمدون على مياه الكبّاسات للتنظيف، بينما يشربون من مياه الخزانات”.

ولفت الذهبي إلى أن “حكومة الأسد سعت للترويج إلى إعادة الخدمات إلى الغوطة، لكنها كانت مجرد تصريحات إعلامية، فلم يعطِ النظام أي اعتمادات مالية كبيرة للبدء بأي مشاريع خدمية في الغوطة، وبالتالي اقتصرت أعمال المؤسسة العامة للمياه التابعة للنظام، على إجراء بعض الإصلاحات البسيطة من خلال المبالغ المالية القليلة التي حصلت عليها، إضافةً إلى أن أي أعمال صيانة تتطلب موافقات أمنية من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والمخابرات الجوية”.

وسيطرت قوات النظام على كامل الغوطة الشرقية في نيسان 2018، عقب حصارٍ دام لست سنوات وحملةٍ عسكريةٍ عنيفة، انتهت بتوقيع اتفاقٍ تضمن تهجير 65887 شخصاً إلى الشمال السوري، بينما أجرى من بقي في الغوطة تسويةً مع النظام.

 

 

التعليقات متوقفه