نسبية الصح: عبد العزيز الموسى

نسبيّة الصح!

الروائي: عبد العزيز الموسى

هذا صحيح وهذا غير صحيح؛ كلمة صرنا نحكم بها وفق منسوب أهوائنا على الطالع والنازل. بداهة –وهذه تجربة بشرية- ليس ثمّة صحّ يعيش وحده معزولاً عن الغلط، ليس في الواقع ماهو صح على الأربعة والعشرين… هو صحّ اليوم من خلال الأرض التي عليها نقف، فهو صحّ مؤقّت، ما إن يزلق الزمن أو الأرض إلا ونكون بحاجة إلى صحّ آخر.

الصحّ الذي سميناه صحيحاً هو كذلك الآن، وهو أصحّ مما سبقه ولن يكون صحيحاً لاحقاً، الصحّ هو أصحّ من غيره الذي عجز أن يكون صحّاً، وهو ليس صحيحاً غداً لأن هناك صحّ آخر مخبّأ في المستقبل وليس بحوزتنا الآن.

والصحّ يكون صحّاً وفق معايير استوجبته هنا وفي هذا الوقت، فإذا أطال المكوث سيتهرّئ ويتوخّم فيتولّد من صلبه صحّ آخر يحاول تنحيته، أولاً بالحسنى ثمّ بغير الحسنى، أي الصراع معه، أي محاولة اقتلاعه لأنه صار عاجزاً عن أداء مهامه… يصطرعان، الصحّ الأوّل والصحّ المشاكس الذي يهدّده ويحاول إلغاءه، ومنهما؛ الأول والثاني وبعد الصراع والقراع يتولد تفاعل لأكفأ ما فيهما وتنحية لأسوأ ما فيهما فيولد صحّ ثالث أفضل منهما كليهما، ويربض على أنه حالة نهائية مطلقة اليقين… هنيهة ثمّ يعتريه التوخّم وتلوح تباشير صحّ من صلبه ليقتلعه وهكذا يتحرّك التاريخ وتتحرّك الأمم نحو الأمام وتتحرّك الذاكرة.

نحن اليوم بانتظار الصحّ الثالث، وأخاف أننا لا نعرف غير: أنا صح وغيري باطل، عندها سيقف التاريخ والفكر والحياة.

أنتظر مخاضاً آخر أنضج وأكفأ من كليهما حتّى لانتجمّد من الوقوف وحدنا في مؤخرة أمم الأرض.

التعليقات متوقفه