اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار .. أداء باهت ومعوقات بالجملة – مصطفى أبو شمس

جميعنا هنا، السوريون في داخل المناطق المحررة وفي بلاد النزوح واللجوء، وربما بعض من تبقى من الشرفاء داخل المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، منوطون بشكل أو بآخر بالأدب والفكر وتوثيق مراحل الثورة والعمل على رفدها بما يزيدها حضوراً، فالثورة اقتصرت في أعين الكثير من متابعيها في البلاد العربية والأجنبية على السلاح والدمار والموت، وانقسموا بين تسمياتها ورأوا فيها أيّاً كان القاتل عراكاً مسلحاً لتغيير الحاكم من أجل السلطة لا لتغيير الواقع وبناء وطن.
وما بين الآمال المتوقعة من اتحادات وروابط النخب الفكرية والثقافية والنتائج الباهتة على أرض الواقع، كان لا بد من وقفة مع هذه الاتحادات في ظل الظروف السياسية والاجتماعية التي تعصف بالثورة، من خلال تساؤلات حول الدور الذي قدمته، وهل هي قادرة بالفعل على الدفاع عن قضايا المواطن السوري في مواجهة السلطات وإبداء الرأي والتعبير بحرية، وحماية أعضائها وردم الهوة بين الكاتب والمفكر من جهة والاتحادات والهيئات التي يتبع لها من جهة ثانية، في ظل حالة الشد والجذب التي يعيشها كتاب هذه المرحلة بين أهمية ما يكتبون ومدى جدواه.
سنسلط الضوء في هذا التحقيق على اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار، ودوره في مساندة الأدباء والوقوف مع قضايا الثورة، والمعوقات التي واجها منذ تأسيسه في ظل غياب الدعم و مزاجية أصحاب القرار، والإهمال والكسل وتراجع الحماسة والركون إلى لقمة العيش.
مرحلة التأسيس والنشاط الثوري
تأسس اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار في شهر آب من عام 2011 على يد الشاعر محمد إقبال بللو، من خلال صفحة على الفيس بوك، رأى المشاركون فيها والذين لم يتجاوز عددهم في بدايتها سبعة عشر عضواً من ناشطي المظاهرات السلمية حينها، حلماً في تحويل أول مؤسسة للمجتمع المدني لتشكيل اتحاد يكون بديلاً لاتحاد الكتاب السوريين في مناطق النظام، بعد انحيازه الواضح إلى الأسد رغم ما ينتهكه من الحقوق وإراقة الدماء، وقتل الأدباء أنفسهم كالروائي محمد رشيد رويلي في تشرين 2012 والروائي إبراهيم خريط الذي قتل في العام نفسه مع ولديه وتطول القائمة، وذلك خلافاً لطبيعة الأديب الذي يقف دائماً مع حقوق أبناء بلده لما يتمتع به من رهافة في الحس والتقاط للتفاصيل وقدرة على الوقوف مع قضايا الشارع الذي يستلهم منه أدبه ودفقه الفكري.
يقول الأستاذ عبد الغني حماده، رئيس الاتحاد الحالي ” كان الغرض من تأسيس الاتحاد أن يكون هناك مؤسسة تجمعنا، نكتب باسمها ونوثق نتاج الثورة، الخوف من تأسيس الاتحاد والقبضة الأمنية التي كانت ما تزال تسيطر على معظم مناطقنا أخّرت الإعلان عن تأسيس الاتحاد الذي تحول إلى ما يشبه الرابطة السرية، اقتصر عملها على المشاركة في المظاهرات من قبل الأعضاء، وكتابة بعض اللافتات والأناشيد الثورية، ومن ثم نقل الحقيقة من خلال القصص والقصائد التي لم تر النور في ذلك الوقت، وبقيت حبيسة الأدراج، كما ساهم الاتحاد وبصفة شخصية من أعضائه بتعزيز الدور عند الشباب الثائر وتعزيز فكرة الثورة”.
خلال عام 2011 لم يتجاوز عدد أعضاء الاتحاد 50 عضواً، إلّا أن البوصلة التي انتهجها هؤلاء الأدباء، في تسخير أقلامهم وكتاباتهم لتغدوا سجلاً لأحداث الثورة والإضاءة عليها، شكلت أدباً شعبياً قريباً من حياة الناس ومعاناتهم، لتفرق الطريق بين أدباء المديح والتكسب عند السلطة الحاكمة، وأدباء الحرية الذين تجاوزا المواضيع الخاصة ومعاناتهم الذاتية ليكتبوا عن الثورة والوطن والحرية، على الرغم من بطش النظام بهم فاعتقل الأديب عبد الله راتب نفاخ والشاعر أحمد جنيدو من أعضاء الاتحاد واستشهد الكاتب محمد نمر المدني.
وعن هذه المرحلة يقول رئيس الاتحاد ” التأسيس كان في مدينة كفرنبل، إلّا أن الإعلان عنه لم يتم إلّا بعد الدخول إلى تركيا، فاعتقال بعض الأعضاء شكل حالة من الخوف، بالإضافة إلى أن الفصائل المسلحة لم تعط دوراً للمثقف ولا أهمية لنتاجه”
الأمر الذي عارضه مؤسس الاتحاد محمد إقبال بللو فالاتحاد “لم يتشكل في كفرنبل، ولم أزر شخصياً كفرنبل منذ عام 2009، لم نكن وقتها اتحاداً، كنت فقط أدير صفحة على الفيس بوك مع مجموعة من الأدباء، كنواة لتأسيس اتحاد، ولم يكن هناك مؤتمراً تأسيساً، وليس لدينا مقر لعمل الاتحاد حتى الآن”.
اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار في تركيا
كانت الأمسية الأولى التي قام بها الاتحاد في أنطاكيا عام 2013، وتم نقلها من قبل قناة الجزيرة، سبق ذلك أمسيات شعرية في ريف حلب وإدلب لاقت حضوراً واسعاً، ومع انتقال أعضاء من الاتحاد إلى تركيا، جرت أول انتخابات لاختيار تسعة أعضاء كمكتب تنفيذي، يختار من بينهم رئيساً للاتحاد ونائباً له وأميناً للسر، بينما يساهم الأعضاء الستة في المكتب التنفيذي في استصدار القرارات والموافقة على الأعضاء الجدد والتنظيمات الإدارية، حيث اشترط الاتحاد لقبول الأعضاء الجدد أن يكون للكاتب خمسة نصوص شعرية أو أدبية أو فكرية منشورة في المواقع الالكترونية، وأن تكون في محتواها تحمل رسالة أدبية أو شعرية محققة اللغة الأدبية، ويجري التقييم من خلال لجنة مختصة للموافقة.
يقول الأستاذ عبد الغني حماده “يبلغ عدد الأعضاء الآن 472 عضواً، إلّا أن الفاعلين منهم نسبتهم قليلة جداً” وعن مدة الانتخابات يقول حماده “الدورة الانتخابية لمدة سنة ويجري الآن التحضير لانتخابات جديدة”، وعن آلية العمل يقول حماده ” رئيس الاتحاد مسؤول عن إدارة صفحات التواصل الاجتماعي الأربعة التي يملكها الاتحاد، وتتخذ القرارات بالأكثرية فيما يخص النشاطات وقبول الأعضاء الجدد”.
وللاتحاد ثلاثة فروع في تركيا في ولايات هاتاي وكيليس ومخيم جيلان بينار بالإضافة إلى فرع الاتحاد في مخيم أطمه داخل الأراضي السورية.
اتحادات جديدة وإهمال حكومي
في السنوات الأخيرة أعلن عن تشكيل العديد من الاتحادات والهيئات التي تعنى بالكتاب والشأن الثقافي، كرابطة الكتاب السوريين واتحاد السوريين الأحرار و رابطة الشباب السوري الثائر واتحاد كتاب سوريا الأحرار، الاتحاد الوحيد الذي اعترف به من قبل الائتلاف السوري ومقرة في دولة الكويت، وغاب التنسيق بين هذه الكيانات لصناعة جسم واحد يحتويهم جميعاً، يقول الشاعر بللو “كان هناك محاولات للاندماج مع اتحاد كتاب سوريا الأحرار، ولكنهم أرادوا منا الانضمام إليهم، وليس مشاركتهم، فنظامهم الداخلي يقضي بأن تكون الانتخابات في الكويت، وهذا أمر يجعلنا خارج دائرة الانتخابات، فمن الصعب الذهاب إلى هناك”، كما قال الأستاذ عبد الغني “عرضنا عليهم حل الاتحادين، وتشكيل جسم جديد بانتخابات جديدة ولكنهم رفضوا ذلك”، ويكمل حمادة “عند مراجعتنا لوزارة الثقافة في الحكومة المؤقتة قبل أن تلغى وذلك في عامي 2014-2015 للحصول على ترخيص للاتحاد لإضفاء الشرعية على عملنا، كان ردهم أن الحكومة اعترفت باتحاد كتاب سوريا الأحرار الموجود في الكويت، ولا يمكنها الترخيص لاتحاد آخر”.
أداء باهت ومعوقات كثيرة
ليس لدى اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار موقعاً الكترونياً، وليس لديه أرشيفاً يضم النتاجات الأدبية لأعضائه، أو مكتباً للعلاقات العامة للتواصل مع المنظمات والمؤسسات، أو مقرّاً للاجتماعات أو النشاطات التي يسعى للقيام بها، ويعتمد أعضاؤه على العلاقات الشخصية مع بعض الجمعيات والمنظمات للقيام بعملهم كما يضطر معظمهم لدفع تكاليف هذه الأمسيات من جيوبهم، فتراجعت نشاطات اتحاد الكتاب والأدباء السوريين في السنوات الأخيرة، حيث اقتصر نشاطهم على تسع أمسيات في كافة فروعه خلال عام 2017أربعة منها في الداخل السوري.
وعن أسباب هذا التراجع، تقول الأديبة عفاف الرشيد نائبة رئيس الاتحاد “لدينا معوقات كثيرة أهمها الموافقات الأمنية ومزاجية أصحاب القرار في تركيا، فهذه البلد ليست بلدنا، وليس لدينا ترخيص، كنا نصطدم عند التحضير لأي نشاط بمنع أصحاب القرار لنا، بحجة منع التجمعات”.
وتضيف عفاف الرشيد “لم أستطع أن أقوم في المنطقة التي أرأسها في ولاية هاتاي سوى بنشاط واحد خلال هذا العام، وهو رعاية المواهب الإبداعية، ومنذ أربعة أشهر وأنا انتظر الموافقة على نشاط أدبي من قبل الحكومة التركية، ولكنها لم تستجب حتى الآن”.
وتكمل الرشيد “لدينا أحلام كبيرة ومشاريع كثيرة لرعاية الطلاب الموهوبين في المدارس وتحفيزهم في مختلف مجالات الأدب والفنون وتفعيل اللغة العربية التي بدأت بالاضمحلال مع تعلم طلابنا للغة التركية، وتسليط الضوء على الجانب الثقافي، كل تلك الاحلام قوبلت بالرفض من قبل مدير التربية في تركيا، الذي لم يقتنع بجدوى ما نقوم به، أعطانا وعوداً لم ينفذ أي منها إلى الآن”، بالإضافة إلى ذلك تغيب “صفة الشخصية الاعتبارية المعترف بها عن الاتحاد، كنا نطلب من الحكومة المؤقتة أن تقدم لنا دعماً معنوياً وحكومياً، ولكنا لم نوفق في ذلك”.
ويرى الأستاذ خالد حكمت خالد رئيس فرع الاتحاد في مخيم جيلان بينار ” إن قلة الاهتمام الإعلامي بنشاطات الاتحاد، والبعد الشاسع بين الولايات التركية حيث يتوزع أعضاؤه، وانعدام الدعم المالي، وعدم توفر المكان اللائق المجهز بالمؤثرات السمعية والبصرية المناسبة والجهل الواضح باللغة العربية وآدابها من قبل شريحة واسعة من الشعب السوري، واتجاههم فيما بعد للغة التركية نظراً لأنهم يرون فيها مستقبلهم الدراسي أو المعيشي، كل تلك الأسباب أدت إلى فشلي في القيام بنشاط يخص الاتحاد في المكان الذي أقيم فيه”.
ويكمل الأستاذ خالد ” أن حالة من اليأس بدأت بالسريان في الوسط الثقافي منذ ثلاث سنوات تقريباً، حيث بدأ الأدباء كغيرهم من طبقات المجتمع بالتفكير بالمستقبل المقلق الذي لم يعد واضحاً في الأفق مع تأثرهم بما يحدث على الأرض من خلافات وتشتت بل وخيانات أحياناً، وهذا ما دفع قسماً كبيراً من الأدباء إلى التخلي عن دورهم في الثورة”.
من جهته قال رئيس الاتحاد “لم يكن هناك للكاتب قيمة قبل الثورة، ولم يكن يمارس دوراً مجتمعياً إلا بين أصدقائه وفي المراكز الثقافية، واستمر الأمر على ما هو عليه في سنوات الثورة، فلا أحد يدعم الكلمة وليس هناك إيمان بجدواها”.
ويعلن مؤسس الاتحاد الموجود حالياً في ألمانيا “فشل الاتحاد في تكوين نواة لتحقيق اتحاد بديل لاتحاد الكتاب السوريين في مناطق النظام، نتيجة للإهمال وغياب الحماسة وقلة الدعم وتشتت الجهود، الذي نتحمل مسؤوليته جميعاً”

التعليقات متوقفه