المشهد السياسي لمدينة حلب بعد التهجير “تجمعات- أحزاب- أم دكاكين سياسة” – مصطفى أبو شمس

تتيح لنا المشهدية الآن بعد سبع سنوات من الثورة، للقوى والتشكيلات السياسية والثورية التي بدأت تتبلور خلال الآونة الأخيرة من خلال تكتلات أو تجمعات، إذ لا نستطيع في المطلق أن نصفها على أنها أحزاب سياسية، كما لا تصف هذه الحركات والهيئات نفسها بالأحزاب وإن كانت في مضمونها تشكل نواة للفكرة الحزبية التي يراها معظم الناشطين الثوريين، ضرورة لا بد منها، إذ ليس من المنطقي على حد قولهم أن لا تنتج الثورة بعد كل هذه السنوات أحزاباً تعتمد في بنيتها الفكرية على التنافس حول السلطة، ضمن أطر تشريعية وأدوات وبرامج واضحة تسعى لاستلام الدفة، لتصبح أي القيادة السياسية هي المفاوض والضامن والحامي لحقوق المدنيين، في حين تتحول الفصائل العسكرية إلى سلطة تنفيذية تنفذ قرارات تلك الأحزاب.
وعلى الرغم من الإعلان عن إنشاء العديد من الأحزاب السياسية خلال السنوات الأخيرة من الثورة، كحزب الجمهورية وحزب وعد وحزب العدالة السورية ومؤخراً ظهور الهيئات السياسية وبعض الحركات كحركة 15/3 في الريف الغربي لمدينة حلب، إلا أن المشهد ما يزال ضبابياً، خاصة مع انعدام الثقة والتواصل بين هذه الأحزاب والهيئات بالشارع الثوري.
ومن خلال سؤال أهالي الريف الغربي عن هذه التجمعات، تبين أن قسماً كبيراً منهم لا يعرفون شيئاً عنها، ورأى بعضهم فيها “دكانة جديدة” تم إنشاؤها لمصالح شخصية أو طموحات سياسية، لا تمتلك القدرة على تنظيم التنافس السياسي، من خلال إيجاد مكونات سياسية تعتمد في تأسيسها على معايير وبرامج واضحة.
وسنعتمد في هذا التحقيق على دراسة الهيئة السياسية لمدينة حلب وحركة 15/3 العائدتين حديثاً، بعد عملية التهجير القسري لأهالي المدينة، من خلال الحديث عن بنيوية كل منهما والهيكلية التي اعتمدتاها في تشكليهما، والرؤية المستقبلية لأن تكوّن هذه التجمعات، نواة حقيقية لمطالب الشعب والعودة بالثورة إلى زمنها البكر، وتحقيق جزء من أهدافها وتطلعات أبنائها.
الهيئة السياسية: “البنية والهدف”
انطلقت فكرة الهيئة السياسية في عام 2014، وفي بداية عام 2015 تم تشكيل لجنة تواصل ولجنة تحضيرية لكتابة النظام الداخلي، والتواصل مع مكونات المجتمع الثوري ومكونات الثورة السورية، ونتيجة لعمل اللجنة والتواصل تم الاتفاق على أن تكون مكونات الهيئة السياسية هي، النقابات والاتحادات والهيئات الوطنية والثورية والوحدات الإدارية بحسب تقسيمات مجلس المحافظة والتجار والصناعيين والوجهاء والعمال، هذه الفئات التي تشكل الشعب والحراك الشعبي ، وتم الخلاص إلى أن الهيئة السياسية ليست حزباً أو تجمعاً أو تكتلاً، وإنما هي العباءة التي ستجمع كل مفاصل الثورة، بل من الممكن أن تتكامل مع الهيئات السياسية الموجودة في المناطق الأخرى لتشكيل عباءة جامعة للوطن ككل، يكون عبارة عن مجلس أو برلمان ثوري يتمخض عنه انتاج قيادة موحدة لكل سوريا، بيدها قرار السلم والحرب والمفاوضات، ويرى أحمد نعناعة أحد مؤسسي الهيئة السياسية “أن المتوقع والحلم أن تأخذ الهيئة السياسية بزمام المبادرة، لأنها نبض الشارع، وكل أعضائها ثوار بامتياز، وتطمح الهيئة في أن تكون صاحبة القرار” ويكمل نعناعة “كفانا تمثيلاً من خارج الحدود وتراشقا للاتهامات وتجاذبات الصراع التي لا تنعكس انعكاساتها السلبية إلا على المقيمين في الداخل، فلا بد من وجود جسم يتكلم بألم الداخل وينطلق من الداخل ويبقى في الداخل، كفانا تمثيلاً من كيانات وأشخاص لا يرون معاناه الشعب السوري إلا من خلال التلفزيونات هذا إن رأوها”.
النظام الداخلي والتمثيل
بعد عقد المؤتمر الـتأسيسي للهيئة السياسية في 15/9/2017 تحت شعار الثورة لا تموت، تم التحضير لانتخابات عامة، جرت في الثلاثين من الشهر ذاته وتمخض عنه انتخاب أحد عشر عضواً لرئاسة الهيئة السياسية لفترة انتقالية ستستمر لمدة ستة أشهر، تجهز من خلالها للمؤتمر العام الأول الذي ستجري خلاله انتخابات جديدة.
كما تم وضع مسودة النظام الداخلي للهيئة من خلال اللجنة التحضيرية ولجنة التواصل واللجنة التأسيسية، ودراسته من قبل بعض الحقوقيين والسياسيين والمجتمعيين، ورفعه إلى نقابة المحامين الأحرار، لتشكيل لجنة تعمل على صياغة النظام الداخلي ليكون قوياً وعادلاً وشاملاً، ويمثل القيم والرؤى والأهداف بما يتقاطع مع الأهداف الأساسية للثورة السورية، وللجنة المشكلة أن تستعين بمن تراه مناسبا لإتمام هذا العمل.
تضم الهيئة 177 شخصية تمثل النقابات والهيئات والاتحادات المهنية والوطنية، وأغلب الوحدات الإدارية – مدينة منطقة بلدة- وهي شخصيات اعتبارية منتدبة من قبل هيئات ومجالس وإدارات بصفة اعتبارية لا شخصية، يتم اختيارهم بما يوافق النظام الداخلي لها ويقول نعناعة “إن المتوقع أن يصل عدد أعضاء الهيئة إلى 500 شخص خلال الفترة القليلة القادمة، فقد راعت الهيئة تمثيل النقابات بعشرة أشخاص عن كل نقابة وعشرة أشخاص من الاتحادات الوطنية أما الوحدات الإدارية فقد اعتمدت الهيئة في تمثيلها على هيكلية مجلس المحافظة، بحيث يكون هناك خمسة أعضاء من المجلس، وواحد عن كل وحدة إدارية، بينما يمثل المستقلون نسبة 10% من الهيئة والأمانة العامة، ونعمل على بناء الهيكلية الآن للهيئة السياسية حسب النظام الداخلي، بحيث يتم التمثيل العادل لكل الثوار على أدنى الوحدات الإدارية وأصغر قرية وكل النقابات والمستقلين، بحيث يتم انتاج قيادة للهيئة السياسية يكون كلامها ضامناً وشاملاً ومدعوماً من كل مكونات الهيئة السياسية، وهكذا تصبح صاحبة الكلمة والضامن لكل مدينة حلب، لأنها وقعت بشكل ثوري وجماعي، ووافقت على أن تمثل الهيئة السياسية هذا المكون، ولذلك يشترط في أن يكون الممثلين والمندوبين على مستوى عالٍ من المسؤولية والدقة والحنكة السياسية، ومعرفة الوضع الداخلي والخارجي للبلاد، لتكوين مجموعة من الثوار والساسة والحقوقيين والمجتمعيين وأصحاب القدرة والعلاقات العامة والدولية، لتعبر عن تطلعات الشارع بكل مكوناته”.
الترخيص والتمويل
قال أحمد نعناعة “إن الهيئة السياسية تأخذ ترخيصها من الشارع، فهي موجودة في الحراك الشعبي والمظاهرات بسبب وجود مكونات الثورة، ورخصت من قبلهم، وبما أنها ثورة وهي حقبة من رحم الثورة وتسعى لتحقيق مبادئ الثورة فهي لا تنتظر ترخيصاً من أي جهة داخلية أو خارجية، بل من خلال الشارع الذي سيفرض وجودها، وتسعى أن تكون جامعة لكل أطياف الثورة وفسيفساء النسيج، لتحافظ على كل مكونات الشعب السوري ضمن الهيئة، فلا وجود لفكر المناطقية أو القبلية أو الطائفية أو محاربة الأقليات باستثناء المكونات التي عادت الشعب السوري ومارست سياسة الاقصاء ومحاربة الدين”.
ولا ترتبط الهيئة السياسية بأي جهة كانت داخلية أم خارجية ولا بأي أجندة سوى أجندة الثورة أما الصرف فيتم عبر تبرع شخصي من قبل الأعضاء أو جميعهم، وتتواصل الهيئة السياسية لحلب بشكل يومي مع الهيئات السياسية في المحافظات الأخرى، وسيتم عقد لقاء يجمعهم معاً، ا لإحداث نوع من التوافق والاجتماع لاتخاذ قرارات تهم الثورة على مستوى الوطن.
حركة 15/3
تُعرّف الحركة نفسها بأنها “حركة مدنية سياسية ثورية لا تتبع لأي فصيل عسكري، وتضم كل أطياف الشعب السوري الراغبين بالانضمام إليها من المؤمنين بثورة الشعب وأهداف الحركة، أيا كان عرقهم أو دينهم”، ويلخص اسلام العبد مؤسس الحركة أهدافها ” بتجميع أصحاب الفكر الثوري، وبث روح الثورة الأولى فيهم، وفتح الحوارات الثورية بضوابط أخلاقية للوصول إلى الموضوع المُناقَش فيه، وإزالة الستار عن أصحاب المنافع الشخصية من الوصوليين، وتقديم النشطاء وأصحاب الكفاءات الثورية على الشخصيات المنتفعة والمعتاد عليهم، لتمثيل الثورة وخاصة في المدن الكبرى حلب وحمص، ووضع رؤية لمستقبل البلد يتشارك فيها الجميع بعيداً عن أصحاب الأنا والمفشلين،
ولا تمثل الحركة عدة أشخاص بل هي للجميع وهي ومنذ اجتماعاتها الأولى، ابتعدت عن الأضواء لغاية دفع الشراع بالاتجاه المناسب إلى المكان المناسب وفي الزمان المناسب”.
ولا يريد مؤسس الحركة لها أن تصبح حزباً في الوقت الحاضر حتى تحدث تغييراً في الواقع العام، وتعيد الثورة إلى أيامها الأولى، وتعمل على تصحيح النهج، بعدها يجري التحضير لافتتاح مكاتب فرعية في المناطق المحررة، لتكون الحركة نواة لحزب جديد على حد قوله.
تضم الحركة 760 عضواً حتى الآن، وتعمل اللجنة التأسيسية المكونة من خمسة أشخاص على دراسة الأشخاص والتواصل معهم وشرح فكرة الحركة وأهدافها لهم، ثم قبولهم في صفوفها في حال موافقتهم، ولا تضع الحركة شروطاً للانتساب سوى أن يكون “المنتسب ثورياً مؤمنا بأهداف إزالة النظام بكل رموزه وأركانه، وإزالة كل طاغية ظالم ضد الشعب الذي تحمل الويلات، وأن يكون هناك توزيع عادل بين أصحاب الكفاءات العلمية و المدنيين البسطاء”.
تعتمد الحركة على تبرعات أشخاص الحركة في تغطية نفقاتها ولا تتلقى أي دعم داخلي أو خارجي، وتنتظر الحركة أن يبلغ عدد أعضاؤها ألف منتسب لتجري الاجتماع التأسيسي للأول لها، والذي سيعمل على كتابة النظام الداخلي للحركة على حد قول اسلام العبد.
ويرى المحامي لؤي العلي من محامي حلب الأحرار في الحركة “ضرورة ملحة” لإعادة الثورة إلى سيرتها الأولى “نظراً لما آلت إليه الظروف من تهجير أهالي المدن الكبرى التي كانت محور الثورة في كل فصولها، وبسبب الفوضى الداخلية التي سمحت بتسلط قلة على رأي الأغلبية الثورية، وتهميشها وعدم الالتفات إليها”.
بينما يصف عبد الحميد أبو تيم الحلبي حركة 15/3 بأنها “تجمع ثوري يحمل رؤية ثورة الشعب في إزالة الطغاة بمختلف أشكالهم وأركانهم ورموزهم” لا “مؤسسة إغاثية” فلن تقدم الحركة “أرز ولا عدس ولا برغل”.
الرأي القانوني لمجلس محافظة حلب
قال محمد عارف شريفة، رئيس المكتب القانوني في مجلس محافظة حلب “اقتصر وجود مجلس المحافظة بصفة ضيف للمداولة والمناقشة مع الهيئة السياسية منذ سنتين، ومن خلال اجتماعنا معهم هم أفراد من الثوار لا يجمعهم حزب أو فصيل، ومن الممكن أن يتحولوا إلى حزب بحسب نظامهم الداخلي”.
وأكد شريفة “أن الهيئة لا تحتاج إلى ترخيص، فهي ليست جمعية أو مؤسسة إغاثية أو تربوية أو صحية، إنما هي تمثل لفيفاً من الثوار غايتهم إيصال صوتهم إلى الخارج، ولا بد للهيئة أن تعمل تحت مجلس المحافظة وتتواصل مع الحكومة بأفرادها وممثليها السياسيين كشخصية اعتبارية سياسية”.
أما بالنسبة للأحزاب فيقول شريفة “لم يتقدم أي حزب سياسي إلى مجلس المحافظة للترخيص حتى الآن، وفي حال تقدم أحدهم فسيتم رفع طلبه الى الحكومة المؤقتة، فذلك من اختصاص عملها”
رأي شخصي لعارف شريفة
بعيداً عن المكتب القانوني الذي يرأسه يرى شريفة ” أن التعريف والنظام الداخلي للهيئة السياسية، ما يزال قاصراً، وهو أقرب ما يكون لعمل مجلس أمناء الثورة، فمن الأولى اطلاق مجلس أمناء الثورة كبديل للهيئة السياسية، يكون أحد مكاتبه المكتب السياسي مرتبطاً بمجلس المحافظة، فعند ذكر كلمة الهيئة السياسية فإن أول ما يتبادر إلى الذهن مجموعة من الأشخاص يتمتعون بالعلوم السياسية والعلاقات الدبلوماسية، ولهم باع وقدم في العمل السياسي بإمكانهم تمثيل الثوار في الخارج أو مع الأطراف الأخرى، ولكنا للأسف لا نمتلك الخبرات الكافية في العلاقات الدبلوماسية والسياسية وأرى ان التسمية كبيرة وفضفاضة علينا”
ويتحدث شريفة عن انقسام الثوار حول تسمية هذا الجسم منذ تشكله على يد المحامي الشهيد محمد الفرج، فبعض الثوار عارض الفكرة واعتبرها دكانة جديدة فما الداعي لوجودها خاصة مع تواجد مكتب سياسي تابع لمجلس المحافظة والبعض رفضها رفضاً قاطعاً، ورأى آخرين بوجوب وجود جسم سياسي يمثل ثوار الداخل لكون بديلاً عن ترك الأمور بيد المعارضة الخارجية، وخلصوا إلى تسميته بالهيئة السياسية، أما رأي الشارع فهو من رأي الثوار فالأهالي لا تهمهم السياسة وكل منهم يبحث عن رزقه وليس معنياً بالهيئة أو الحركة أو السياسية.
آراء حول الحركة والهيئة
لدراسة التكتلات السياسية الجديدة وقفنا عند آراء بعض الشخصيات الثورية المدنية، حول التغيرات الجديدة الحاصلة في الريف الغربي لمدينة حلب:
محمد الأسعد، مدرس من مدينة حلب قال “إن الأحزاب تمثل أداة التشريع في البلاد، وتحتاج إلى دعم مالي حكومي وحماية قانونية دستورية، واستمرارية بحيث لا يمكن لأي جهة إيقافها عن العمل إلا من خلال محكمة دستورية عليا، هنا تخاف الناس من الاعتقالات بسبب حوالة مالية بسيطة، وتغيب الحكومة والدعم، ولا وجود لمحاكم سوى الشرعية منها، فكيف تنشأ الأحزاب في هذه الظروف؟؟”
من جهته، يرى أبو محمد، أحد مهجري مدينة حلب “إن فكر الناس لم يرتق بعد لتشكيل حزب سياسي، وإن كان يمثل ضرورة ملحة، ولكن القتال الحاصل وسنوات الثورة الطويلة، أشعرت الناس بالملل والجوع والموت، الجميع يبحث عن لقمة العيش، والحديث في السياسة آخر همومنا”، ويكمل أبو محمد “مجرد ذكر كلمة حزب يربطه الناس بكلمة عميل، الجميع يسأل من أين الدعم المالي، ما هي الجهة الداعمة والأجندة التي يرتبط بها، حركة 15/3 ضبابية وبلا نظام داخلي حتى الآن والهيئة لم أسمع بها”.
سعيد الخطيب، قال بأنه “قرأ مقتطفات من النظام الداخلي للهيئة السياسية، ووجد أنها لا تختلف عن آلية النظام من خلال المناصب والمكاسب، وإلاّ فما الذي يعنيه تمثيل المجالس المحلية وبلا شروط، جميعنا يعرف كيف تتشكل المجالس المحلية في مناطقنا، وهي عبارة عن تفاهمات عائلية بحيث يختار الأعضاء بحسب عدد العائلة وقوتها لا كفاءتها وثوريتها، والأهم من ذلك فإن صفة الحرامي ملتصقة بجميع من يدخل هذا المجالس وإن كان شريفاً”.
أما أحمد عبد الهادي، فيرى “أن بعض المنتفعين ومن خلال توقعاتهم بدخول القوات التركية إلى إدلب، لجؤوا إلى تشكيل هذه التجمعات أو الانتساب لها، طمعاً في مكاسب شخصية كميزة العبور إلى تركيا أو حباً في الظهور، أو طمعا بمكاسب مادية قادمة”
ولم يسمع، محمود حناوي صاحب محل صرافة بالهيئة السياسية في مدينة حلب “نحن لم نخرج من المدينة مطلقاً حتى التهجير، متى تشكلت، من أين أتت؟؟”
وينهي جمال العلي ناشط ثوري من مدينة حلب كلامه ب “كل شخص صار بدو يجمع شوية ثوار ويفتح دكانة سياسية أو عسكرية على حساب هالشعب”.

التعليقات متوقفه