رحى الحرب تطحن رجال المستقبل – نور الدين الإسماعيل

تستمرّ الثورة السورية لتتمّ عامها السادس، ويستمرّ معها النظام بآلته الحربية في قتل السوريين وتشريدهم. ورغم كل الضحايا جراء تلك الألة الهوجاء يبقى الخاسر الأكبر هو جيل الأطفال.

البدايات

إنّ ما يميّز الثورة السورية عن باقي ثورات الربيع العربي أنّ شعلتها كانت مجموعة من الأطفال الذين كتبوا بعض الشعارات المعادية للنظام السوري على جدران إحدى المدارس في درعا، مما دفع بمخابراته لاعتقالهم وتعذيبهم بأقسى أنواع التعذيب التي لا يستطيع الرجال الأشدّاء تحمّله. وكان هذا السبب كفيلاً بإشعال فتيل الثورة ليس فقط في درعا وإنّما في سوريا كافةً.

لم يتوقف النظام عند هذا الحد بل تابع إجرامه بحقّ الأطفال حتى مع انطلاق الثورة في بداياتها أثناء المظاهرات التي عمّت شوارع البلاد، فسقط عدد من الشهداء الأطفال وكان الشهيد الطفل حمزة الخطيب أكبر دليل على حقد مخابرات الأسد على أطفال سوريا بل وشعبها عامةً. وكما هي الأنظمة القمعية دائماً تحاول أن تجدد مبررات إجرامها أمام مؤيديها حتى ولو كانت تلك المبررات غبية وحمقاء يجب على الشارع المؤيد أن يصدقها. فقد ادّعى إعلامه الأحمق أن الشهيد حمزة الخطيب كان ينوي اغتصاب نساء الضباط التابعين لجيش الأسد، متناسين أن طفلاً بعمر الشهيد حمزة الخطيب لا يعرف معنى كلمة اغتصاب.

أساليب الإجرام الأسدي بحق الأطفال

لطالما كان الأطفال والمراهقون من أكثر الضحايا بين المدنيين خلال النزاعات، ففي الحرب العالمية الثانية قتل الألمان مايقارب 1.5 مليون  طفل، وأما بالنسبة للأطفال للناجين من ويلات الحرب فقد عاشوا وكبروا وهم يعانون من العديد من الأمراض النفسية والجسدية من جرّاء الخبرات البشعة التي عاشوها خلال الحرب. وبالعودة الى الوضع السوري ومع تقدم الثورة السورية وازدياد رقعة المظاهرات ضد النظام، لجأ الأخير إلى استخدام الأسلحة الثقيلة في قمع المتظاهرين والانتقام من المدنيين الأبرياء بحجة أنهم بيئة حاضنة للثوار. فاستخدم المدفعية والدبابات والطائرات بأنواعها ورغم عشوائية أهدافها، فكان ضحايا تلك الأسلحة حصراً من المدنيين الآمنين في بيوتهم. وكان الأطفال يشكلون نسبة كبيرة من الضحايا، ما بين شهداء ومصابين وآخرين فقدوا أطرافهم. وقد أفادت تقارير صادرة عن منظمات حقوقية تؤكد أن عدد الأطفال دون سن 16 عاماً الذين قتلوا في سوريا يزيد عن 30 ألفاً، ما يقارب نسبة 70% من الذكور والباقي من الإناث.

لم تتوقف معاناة الأطفال عند هذا الحد، بل كانت هناك صور أخرى ربما أشد قسوةً. فتعرض الأطفال إلى الاعتقال كان من أكثر المخاطر التي يتعرض لها أطفال سوريا. لأن بعضهم يموت تحت التعذيب والبعض الآخر يصاب بأمراض نفسية أو جسدية جرّاء ما تعرض له داخل المعتقل. ناهيكَ عن عمليات الاغتصاب والعنف الجنسي الذي يمارس عليهم.

النزوح يقتل أحلامهم

اضطر الكثير من المدنيين إلى النزوح من بلادهم هرباً من إجرام النظام السوري، فأقاموا في مخيمات اللجوء في تركيا ولبنان والأردن وكوردستان العراق، بالإضافة إلى عمليات النزوح الداخلي من مدينة إلى أخرى مما عرض الأطفال إلى حالة من الضياع بدون تعليم أو خدمات وفي فصل الشتاء المنصرم تعرض العديد منهم إلى الموت بسبب البرد الشديد والصقيع، نتيجة العواصف المتكررة التي تعرضت لها منطقة الشرق الأوسط. فبحسب إحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة تؤكد أنّ ما يقارب المليوني طفل يعيشون الآن في بلاد النزوح، وأكثر من ثلاثة ونصف مليون طفلاً نزحوا نزوحاً داخلياً، وهذه الأرقام تدل على تهديد حقيقي لمستقبل سوريا المتمثل في الأطفال. فهؤلاء يعيشون ظروفاً معيشية سيئة مما يضطر بعضهم للعمل في سن مبكرة بالنسبة للذكور، والزواج المبكر بالنسبة للإناث وخصوصاً في مخيمات اللاجئين في الأردن، حيث تشير الإحصائيات إلى أن واحدة من بين كل خمس فتيات تُجبر على الزواج المبكر في تلك المخيمات.

أطفال بلا صحة وبلا تعليم

استهدف النظام منذ بدايات الثورة المشافي ولاحق الأطباء وقطع الأدوية عن المناطق الثائرة. الأمر الذي أدى لانتشار بعض الأمراض كالجرب والأمراض الجلدية الأخرى إضافةً إلى وفاة البعض نتيجة فقدان الأدوية كمرضى السكّري والربو. وكان لانقطاع اللقاحات أثراً كبيراً فقد تسبب ذلك في انتشار بعض الأمراض مثل التهاب الكبد وشلل الأطفال.

محمد العلي /35 عاماً/ داخل المناطق المحررة ويعمل في إحدى المستشفيات التي تم قصفها من قبل الطيران الروسي، يقول: “تسبب القصف بالصواريخ وبراميل الطائرات بالكثير من حالات الإعاقة والتي كان أغلب ضحاياها من الأطفال حيث أصبح عدد منهم بحاجة إلى أطراف صناعية أو علاج في الخارج لا يتوفر في المناطق المحررة. هذا الأمر عرض حياة الكثيرين منهم للخطر وبعض تلك الحالات انتهت بالشلل والإعاقة الدائمة”.

أما على مستوى التعليم، نرى أن الأطفال مهددون بالأمية والجهل نتيجة أسباب متعددة تمنعهم من تلقي العلم، إما بسبب النزوح أو هدم المدارس أو استخدامها كثكنات أو مقرات عسكرية، أو نتيجة الخوف من الالتحاق بالمدراس خوفاً من قصفها.

محمد أبو عوض / 40عاماً/ من قرية حاس معلم. شهد مجزرة حاس الكبرى التي ارتكبتها الطائرات التابعة لقوات الأسد بحق طلاب وتلاميذ قرية حاس بتاريخ 26/10/2016 يقول: “بعد المجزرة التي ارتكبها النظام بحق الطلاب لم يعد بإمكاننا متابعة التعليم في المدارس نتيجة الخوف من القصف، فلجأنا إلى الأقبية لعلنا نجد فيها ما يعوض قليلاً من الحاجة إلى المدارس، ولكنها تبقى غير كافية. هذا ناهيك عن الانعكاسات النفسية والخوف الذي سيطر على الأطفال أولاً والأهالي ثانياً، فأصبح إقناع الطفل بالذهاب إلى المدرسة أمراً شبه مستحيل”.

تجنيد الأطفال وعمالتهم خطر يهدد مستقبلهم

تجنيد الأطفال في سوريا أصبح أحد أهم المشكلات التي تهدد حياتهم ناهيك عن الآثار الصحية التي قد يتعرض لها الطفل جرّاء مشاركته في الأعمال العسكرية، وقد أفادت بعض التقارير الصحفية عن استخدام الأطفال في الأعمال العسكرية من قبل النظام أو بعض فصائل المعارضة.

ومن ناحية أخرى فإن تشغيل الأطفال دون السن القانوني أصبح شبحاً يلاحقهم بسبب وفاة المعيل أو إصابته، حيث يجد الطفل نفسه أمام مسؤوليات كبيرة لا يمكن له تحملها ليقوم بدور الكبير سواء كان أباً أو أخاً فيتعرض للابتزاز من قبل رب العمل الذي يستغل جهده مقابل القليل من المال الذي لا يسدّ رمق عائلته التي أصبح هو معيلها الوحيد.

مشاكل نفسية يعاني منها الأطفال

في أوضاع الحرب دائما نشاهد منعكسات نفسية على المدنيين المتأثرين من تلك الحرب مباشرة ولكن الشريحة الأكبر التي تتعرض لآثار نفسية سيئة هي شريحة الأطفال، لأن تلك الآثار فوق طاقة التحمل لدى الكبار فكيف بهم وهم لم يكتمل نموهم الجسدي والنفسي بعد، يقول الباحث النفسي الأستاذ عبد الله الزيدان:” إن الطفل أكثر تأثراً لأن نموه لم يكتمل ولأنه لا يستطيع التعبير عن غضبه وخوفه وقلقة بالألفاظ مثل الكبار، ولكنه يعبر بلغة أخرى هي لغة الحركة وعدم الاستقرار فيصبح ضحية الخوف الشديد وغالباً يصبح لديه ميلاً شديداً للعنف، وتغير عام في المزاج وفقدان للشهية، واضطرابات النوم والكوابيس والقلق والكآبة والحزن والخوف، وعدم المبادرة والتردد، وتشتت الذهن وضعف الذاكرة والتذكر خاصة تلك الأمور المتعلقة بالدراسة، وتظهر لديهم أيضاً مشاعر القلق والخوف ومشكلة التبول اللاإرادي”.

الحاجة الملحّة لتكاتف دولي

في ظل تلك المعاناة التي يتعرض لها الأطفال في سورية لا بد من وقفة دولية من قبل الدول الكبرى في العالم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأطفال حتى لا يكبر هذا الجيل مشوّهاً نفسياً فنكون أمام مشكلات كبيرة لا يمكن تداركها بعد فوات الأوان.

 

التعليقات متوقفه