واقعٌ صعب يعيشه ذوو الاحتياجات الخاصّة في سوريا – وسيم عيناوي

لطالما كانت الحروب والصّراعات تحرم الشعوب من حقوقها الطبيعية في المواطنة والخدمات وتجعل حصولهم على احتياجاتهم اليومية هدفاً صعب المنال، فكيف الحال اذاً مع الفئات من ذوي الاحتياجات الخاصّة ومصابي الحروب في هذه الظروف الاستثنائيّة والى أيّ درجةٍ من المعاناة سيصل الحال بهم وذويهم في ظروفٍ لطالما تميزت بأدنى درجات الإنسانية.
تباينٌ في التعامل:
ولكن من جهة أخرى يعكس اهتمام أو اهمال الأطراف المتصارعة رغم قسوة الظروف بهذه الفئات المهمّشة والمحرومة درجة رقيها ومدى تقديرها للإنسان في الدرجة الأولى، أو حتى يبرز مدى استغلال بعض الأطراف لوضعها الاستثنائي للترويج للوجه الإنساني الذي تخفي خلفه انتهاكاتٍ بحق الإنسانية وسلسلةً من الجرائم لا يمكن تجميلها.
ففي الحالة السوريّة خلال سنوات الثورة الفائتة برز جليا التباين الكبير في آلية تعاطي أطراف الصراع مع أكثر الفئات السوريّة حرماناً ألا وهي فئة ذوي الاحتياجات الخاصّة، فبينما استطاعت مؤسسات الثّورة المدنية رغم ضآلة إمكاناتها تقديم مبادراتٍ بسيطةً بالحجم وكبيرةً بالإنجازات لصالح هذه الفئة، توجه النظام لاستغلال وجودها لتمرير رسائله السياسية وإبراز الدّور العسكري لجيشه الذي ضرب بيد من حديد فكانت رعاية هؤلاء المحتاجين كنتيجة لسياسته العسكرية.
أعمالٌ تطوعيةٌ ومبادراتٌ انسانيةٌ:
ففي مخيمات عرسال الشهيرة بسوء أوضاع قاطنيها استطاع بعض نشطاء المجتمع المدني انشاء مركز عمل على رعاية أطفال الاحتياجات الخاصّة وإخراج ذويهم من الضائقة الكبيرة التي كانت تشكل همّا كبيرا فوق هم نزوحهم الكبير، لتتميز بنوع الرعاية التي تقدمها لهؤلاء الأطفال وعدد الأطفال الكبير الذي استطاعت استيعابه رغم كون عملها تطوعيا من دون أي دعم يذكر.
يقول سامر أبو علي مدير مركز بلسم لذوي الاحتياجات الخاصّة في حديث خاص للغربال “لم تكن فكرة انشاء مركز لذوي الاحتياجات الخاصّة في مخيمات عرسال مبنيةً على دعم مقدّم لهذا المشروع, بل كانت كمبادرة تطوعية مني ومن بعض المهتمين بهذا الشّأن وذلك لشعورنا بمعاناة أهالي أطفال الاحتياجات الخاصّة لأننا نعيش هذا الواقع مع أطفالنا من ذوي الاحتياجات الخاصّة ورأينا أنّه من الضّروري إيجاد مركز يهتم بهم ويخفف العب على ذويهم, وذلك عدا عن ايماننا بحق هذه الأطفال في التعلم والتطور والاختلاط بالجو المحيط بدلا من السّجن في الخيام التي بالكاد تتسع لأهلها.”
ويضيف أبو علي” أخذنا على عاتقنا في بادئ الأمر تجميع ما أمكن من الكادر التطوعي والذي يمتلك ميولاّ لاهتمام بهؤلاء الأطفال، ومن ثمّ قمنا بعدة دورات تدريبية لهم لتأهيلهم للتدريب في المركز, ومن ثم قسمنا فريقنا إلى ثلاثة فرقٍ جوالةٍ و بدأنا بحملات الإحصاء في المخيمات فكانت المفاجأة بوجود عددٍ كبيرٍ من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة بكافة حالاتها من البكم والصّم والمكفوفين ومتلازمة داون وباقي الاعاقات الجسدية والدماغية وكلها بحاجة لاهتمامٍ كبيرٍ لإهمالها لفترةٍ طويلةٍ من الزمن، ومن ثمّ قمنا بتصنيف درجة الإعاقة لكافة الأطفال وبدأنا العمل بالحالات التي يمكن تطويرها والتي وصل عددها إلى 80 طفلاً كدفعةٍ أولى مع ترشيح أرقام كبيرةٍ اضافيةٍ للانضمام في مراحل أخرى في حال استطعنا الاستمرار في العمل.”
ويشير سامر أبو علي:” أنّ البارز في عملهم أنه كان نابعاً من يقينهم بالقيم والمبادئ الإنسانية والتي تعتبر محوراً أساسياً في الثورة التي تحمّلوا عبئ النزوح لأجلها، فلذلك كان من الواجب القيام بهذا العمل التطوعي بالرغم من عدم تبني هذا المشروع من أي منظمةٍ حتى الآن لتكفل استمرار عمل المركز، ولكن طالما أن العمل هو بهدف الفائدة لهؤلاء الأطفال وذويهم فهو سينجح حتما طالما لم يكن مشروطاً بسياسة داعمين أو بالترويج لجهةٍ أو حزبٍ أو فئةٍ.”
يقول خالد الطويل وهو والد لطفل من المصابين بمتلازمة داون:” كان ابني محمد ذو سلوكٍ عدوانيٍ في سنوات الثورة الأولى بسبب انعزاله في المنزل وقساوة ظروف الحرب التي عشناها واستمر ذلك حتى عامنا الأول في مخيمات عرسال حيث كانت الأشد قسوةً بسبب انشغالنا في تأمين مستلزمات حياتنا وعدم تفرغنا له بالكامل، أما الآن فبعد عدّة أشهرٍ من الانتساب للمركز فقد تحسّن سلوك محمد أكثر مما كنا نتوقع وأصبح اجتماعياً بشكل كبير وأكثر هدوءً من ذي قبل، الأمر الذي أعطى عائلتنا بالكامل راحةً نفسيةً كبيرةً افتقدناها قبل انتسابه للمركز.”
استغلالٌ للاحتياجات:
أما في الجهة المقابلة في مناطق سيطرة النظام السوري فقد برزت أيضا عدّة أمثلةٍ لمراكز لذوي الاحتياجات الخاصّة ولكن كان دائما التركيز الإعلاميّ عليها محصوراً في زيارة المسؤول أو الضابط العسكري لها، لإلقائه للخطب السياسية أو للظهور الإعلاميّ لإبراز السيطرة على هذه المنطقة أمام القوى العسكريّة الأخرى المقاتلة في صفوف النظام السوري، وذلك ما كان يحصل تحديدا في “مركز المستقبل” لذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة يبرود في ريف دمشق.
إذ يقول مدير تنسيقية المدينة محمد اليبرودي لمجلة الغربال:” كان مركز المستقبل لذوي الاحتياجات الخاصة قبل الثّورة عبارةً عن مركزٍ شعبيٍ قليل الدعم والاهتمام من قبل النظام السوري، أما بعد سقوط المدينة بيد حزب الله والنظام السوري منذ عامين فقد برز المركز إعلامياً بشكلٍ كبيرٍ وفي مناسباتٍ متفاوتةٍ تخلّلها الاحتفالات بكل المناسبات كعيد الطفل أو عيد الشجرة وإقامة المهرجانات في المركز ولكن برعايةٍ عسكريةٍ إما من حزب الله أو قوات الدفاع الوطني أو حتى قوات الدفاع الشّعبي في بعض الأحيان.”
ويشير اليبرودي إلى” أن هذه الاحتفالات لم تكن لتعني شيئا لعاملين أو المستفيدين من المركز، بل كانت للاستعراض وإبراز السلطة بين الفئات العسكريّة المختلفة التي تحتل مدينة يبرود في الوقت الحالي و لتبرز إعلامياً بشكل أكبر وتمرير رسائلها العسكرية حتى للمعارك التي تخوضها في كل مرحلة من المراحل، وفي حالاتٍ كثيرةٍ كانت رعاية الاحتفالات تتم برعاية شعبة حزب البعث في يبرود مع مشاركةٍ إعلاميةٍ لقنوات النظام الرّسمية وذلك للتركيز على دور النظام الإنساني واهتمامه الكبير بالجوانب الإنسانية ورقي أهدافه التي يقاتل الإرهابين على حد زعمه لأجلها.”
ولكن في نهاية الحال يؤكّد أهالي المنتسبين لمراكز النظام أن الدّعم والاهتمام بمراكزهم من الناحية اللوجستية بقي على ما هو عليه بالرغم من كل الضجة الإعلامية التي تصاحب زيارات المسؤولين إليها، الأمر الذي لم يشتك منه بالمقابل أهالي الأطفال المنتسبين للمراكز التي أنشأها نشطاء المجتمع المدني في الثّورة السورية لإدراكهم أن عملهم في هذه المراكز بالأصل هو كلّياً لمساعدة أطفالهم وليس التمثيل عليهم والاستفادة منهم.
ومن ناحيةٍ أخرى تقول الآنسة هديل البكر المختصّة في مجال رعاية أطفال الاحتياجات الخاصّة:” تواجه المراكز المنشأة حديثا للنازحين في عرسال ولبنان معاناةً كبيرةً في تقديم الخدمة الأمثل للأطفال لافتقارها للأجهزة الخاصّة برعايتهم وخاصّةً أجهزة العلاج الفيزيائية الأساسية لرعاية الأطفال وذلك بالرّغم من وجود مختصين في هذا الشأن، وبالإضافة لذلك فإن الهاجس الذي يؤرق الكوادر العاملة فيها هو بقاؤها من دون تبني منظماتٍ داعمةٍ لها تكفل ديمومتها بالعمل من خلال تقديم تعويضاتٍ بسيطةٍ للعاملين أو تقديم الكلفة التشغيلية الأساسية اللازمة لهذه المراكز والتي يشقّ على المتطوعين تأمينها كالأدوية الخاصة بهم بالإضافة للنقل والطعام واحتياجات الأطفال.”

التعليقات متوقفه