المرأة السورية.. عطاء وإبداع رغم قسوة الظروف ــ وسيم عيناوي

أثبتت المرأة السورية خلال سنوات الثّورة الفائتة أنّها شريكٌ حقيقيٌ للرجل في كافة الفعاليات المدنية والاجتماعية، ورسّخت فكرة محوريّة دورها في التطوير والتنمية الاجتماعية في كافة المراحل التي عايشها الشعب السوري من أيام النشاط السلمي والحروب، إلى إبراز دورها الفاعل في بناء المجتمع من جديد رغم ظروف النزوح القاسية التي يمر بها قسم كبير من الشّعب السوري.

فبدلاً من الوقوف مكتوفة الأيدي أمام التغيرات الجّوهرية في هيكلية نمط الحياة للشعب السّوري، والاكتفاء بكونها فقط مجرد نسبةٍ تشغل نصف المجتمع، آثرت المرأة السّورية أن تكون ذات دور فاعل في النواحي التي تكون قادرة فيها على العطاء بشكل يتلاءم مع كل مرحلة يعيشها المجتمع الذي تشكّل نصفه، ففي ظل غرق الرجل السّوري في بحر المستجدات اليومية لنتائج الحرب الجارية على الأرض السّورية، استطاعت المرأة السّورية أن تبرز دورها في ترميم وبناء المجتمع المهدّد بخطر التفكك وأثبتت مقدرتها على تحمل مسؤولية بناء جيلٍ جديدٍ من الأطفال رغم مشقة ذلك في ظل ظروف الحرب والنزوح.

فكما كان للمرأة دورٌ بارزٌ في الثّورة وخاصة في المناطق المحررة من خلال التظاهر والعمل في المجال الطّبي والإغاثي وتقديم الدعم النفسي للأطفال المتضررين من الحروب، فقد كانت المرأة السورية سبّاقةً في التغلب على مشقة النزوح، والتي من المفترض أن تشغل كل وقتها، وذلك من خلال تجميع جهود النّساء وتشكيل جمعيات وهيئات مدنية وفتح باب التطوع لنسوة المخيمات للعمل التنموي والاجتماعي بالإضافة لفتح أبوابٍ للعمل المأجور والذي من خلاله أصبحن سنداً لرجالهنّ في تحمل مصاريف النّزوح الباهظة.

تجميعٌ للجهود

تقول أم عمر اليبرودية، من مؤسِّسة جمعية نساء يبرود في مخيمات عرسال، لـ”الغربال” إن “مشقّة النزوح لم تثنهنّ عن التفكير بآلية لجمع جهود نسوة المخيمات في عرسال اللبنانية، اللواتي عملن للثورة بشكلٍ كبيرٍ في القلمون قبل النزوح، و عندها قرروا إنشاء جمعية لتوحيد جهودهنّ ولتكون نقطة انطلاق لهنّ، ولأجل ذلك بادرت أم عمر مع عدة متطوعاتٍ للقيام بزياراتٍ للمخيمات لتحفيز النّساء الراغبات بالعمل بأن الجمعية بابٌ للعمل و توحيد الجّهود وستساعدهم في عرض منتجاتهنّ وتأمين أبواب للعمل التطوعيِّ لهنّ من جديد”.

تضيف أم عمر أن “الجّمعية بالإضافة لكونها باباً لتحفيز النسوة على العمل التطوعي للمجتمع وعدم الاستسلام لمآسي النّزوح، فقد أعلنت الجّمعية أنّ من أهم أدوارها سيكون العمل على تسويق وتأمين بيع كافة المنتجات التي بإمكان نسوة المخيمات إنتاجها، مما سيشجعهنّ على العمل بشكل أكبر عند تحصيل بدلٍ ماديٍ يمكنهنّ من مشاركة أزواجهنّ في تحمل أعباء النزوح، وذلك كله بالتزامن مع الأعمال التّطوعية بين المخيمات في توزيع الهدايا على نسوة و أطفال المخيمات من منتجات الجمعية للإشادة بدور المرأة المهم في هذه المرحلة الصعبة”.

وتشير أم عمر إلى أن “نجاح الفكرة دفع المسؤولات في الجّمعية لإقامة عدّة معارض لهن في عدة مخيماتٍ في عرسال تهدف للتعريف بأهداف الجمعية وضرورة مشاركة المرأة العمل المأجور والتّطوعي، بالإضافة لعرض منتجات نسوة الجمعية من الأغذية والمنسوجات لتحقيق نسبةٍ عاليةٍ من البيع لصالح النّساء العاملات في الجمعية”.

تربيةٌ للأجيال

وكما هي العادة في المجتمعات السّورية فلم يغب دور المرأة السّورية عن المجال التّعليمي وبناء الأجيال، فلقد استمرت المرأة السّورية رغم انعدام الأجور بالعمل التّطوعي في التّدريس، وذلك إيمانا منها بجوهرية بناء الطفل على الثوابت والمبادئ الصّحيحة ليصبح قادراً على بناء المجتمع من جديد، والتي لولا جهود المرأة المكثّفة في السّنوات السابقة في هذا المجال لكانت نسبة الأمّية في أعلى مستوياتها حيث التشرّد والحرمان الذي يعيشه الطفل السوري في ظل الحرب والنزوح.

تقول المدرسة فاطمة زيدان لـ”الغربال” إنّها “لم تتأخر عقب النزوح إلى لبنان في العودة لمزاولة عملها في التّدريس لأطفال المخيمات، حيث في البدايات كان العمل بالنسبة لها ولعدة مدرسات أخريات تطوعيا ونابعا من غيرتهنّ على مستقبل الأطفال الذين لا ذنب لهم في هذا النّزوح القاسي، إلى أن تم افتتاح عدة مدارس نظامية تكفّلت بتقديم رواتب بشكل مستمر للمدرسات، ما أضاف حافزاً آخراً لعملهنّ في ظل انشغال أزواجهن في العمل للثورة و في حمل السّلاح”.

وتؤكّد زيدان “أنّ عدم حصول بعض المدرسات على عملٍ مأجورٍ في مدارس لبنان لم يثنهنّ عن استكمال العمل تطوعياً لأجل أطفال المخيمات، من خلال القيام بدورات الدّعم النّفسي بعد دوام المدرسة في عدة مخيمات، وذلك إيمانا منهنّ بأن عدم مقدرة المرأة على حمل السّلاح لا يعني عدم مبادرتها للعمل لصالح الثّورة في المجالات الاجتماعية والإنسانية في ظل انشغال الرّجال في الأعمال الثّورية المسلّحة”.

نشاطاتٌ تنمويةٌ

وتأكيداً على دور المرأة الكبير في العطاء لمجتمعها المتضرر من آثار الحرب ودورها الكبير الذي تستطيع تقديمه في مجال التنمية، فلم تنحصر أدوارها ضمن مجالات عمل المرأة الكلاسيكية بل تعداه إلى المواظبة على دفع عجلة المجتمع لتجاوز آثار الحرب، والاستمرار بتقديم أكبر دعمٍ نفسيٍ للأطفال والمتضررين من آثار الحرب، من جميع الفئات والأعمار وعدم إهمال الفئات التي قد يتم تهميشها من ذوي الاحتياجات الخاصة، في ظل هذه الظّروف الصّعبة.

هديل بكر، هي مدرّسة مختصّة في مجال علم النّفس لم تمنعها قسوة النّزوح في مخيمات لبنان من البدء بمشوارٍ جديدٍ من الدّعم النّفسيّ والتأهيل لأحد أكثر الفئات تهميشاً في بلدان النزوح، فئة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة، والتي هي بالأصل عبئٌ على ذويها وقد شقّ عليهم تقديم الرعاية الخاصّة لها في ظلّ انشغالهم بتأمين متطلبات النّزوح القاسية.

تقول هديل بكر لـ”الغربال” إنه “بالرغم من غياب أي منظمة مهتمّة بهذا المجال إلا أني آثرت مع بعض النشطاء المحليين البدء بعملٍ تطوعيٍ لرعاية ما أمكن من أطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة وذلك بعد معاينتي لعشرات الحالات المأساوية لحالات من الأطفال لم تتلق الرّعاية منذ سنوات، وقد ازداد وضعها سوءاً بسبب الظّروف المأساويّة للحرب التي عايشوها في مدنهم السّورية قبل النزوح، عدا عن اضطرار ذويهم لإهمالهم مؤخراً بسبب انشغالهم بتأمين الحاجيات اليوميّة، ما أدى لتزايد الطّبيعة العدائية لهم وتعقيد آلية تعامل ذويهم معهم في الحياة اليومية”.

وأضافت هديل:” لم نكترث لانعدام الدّعم المقدّم لنا في الأشهر الأولى من عملنا لطالما أنّ عملنا كان نابعاً من إيماننا بهذا الدّور المهمّ الذي نقدمه للمجتمع من خلال خِدمتنا لهذه الفئة المحرومة، بل عملنا على إرسال بعض الفتيات لحضور بعض الدّورات التدريبية لتطوير آلية تعاملهم مع الأطفال على نفقتنا الخاصة في الدّاخل اللبناني، ويوماً بعد يوم بدأت بعض الجّمعيات المحلية تقدِّر أهمّية دورنا، وباشرت بتقديم ما أمكن من مساعداتٍ أوليةٍ استطعنا من خلالها الاستمرار بديمومة هذا العمل رغم بساطة الإمكانات.”

المرأة الهولندية عاشت تجربة مشابهة (اعداد شيفان أفندي)

عانت المرأة الأوربية عموماً من تبعات كارثية للحرب العالمية الثانية، حيث أدت ظروف الحرب إلى مقتل ونزوح ملايين النساء، إلا أن ذلك لم يمنع النساء من المشاركة بشكل فعال بالتصدي لظروف الحرب من خلال خدمة مجتمعاتهن المنهارة. السيدة جيسيكا بيكيدير وهي راهبة هولندية من مواليد 1945، لم تعش خبرة الحرب العالمية الثانية كونها ولدت في نهايتها، ولكنها تملك العديد من القصص عن عمتها السيدة فلوريس والتي كانت تعمل كراهبة بأحد أديرة روتردام، حيث تأثرت جيسيكا بها وكانت مثالها الأعلى.

تقول السيدة جيسيكا لـ”الغربال” أنها “تتذكر العديد من القصص التي سمعتها من والديها ومن عمتها السيدة فلوريس، ولقد أخبرتها كيف كانت شاهدة العديد من القصص المروعة خلال وما بعد الحرب العالمية الثانية، ولقد كافحت السيدة فلوريس مع العديد من النسوة بالأحياء المجاورة، ولقد أخبرتها عمتها فلوريس عن المجاعة التي حدثت بهولندا والتي عرفت بشتاء الجوع بين 1944-1945 بسبب الحصار الألماني وقطع إمدادات الطعام، ولقد كافحت فلوريس مع العديد من النسوء لتأمين الطعام وإعداد الحساء لمساعدة العديد من المحتاجين، بل اضطرت فلوريس هي وعديد من النسوة لخفض حصصهم الغذائية من الطعام لادخارها للأطفال والمشردين بسبب الحرب”.

تلوم جيسيكا الكنيسة المحلية خلال فترة الحرب العالمية الثانية التي لم تمنح المرأة حرية التعبير عن رأيها والمساهمة بنهضة المجتمع والانخراط في الكفاح ضد قوات الاحتلال النازية، ولكنها تعتبر أن ذلك كان أمراً عادياً بتلك الحقبة، حيث أن المرأة لم تمتلك الحرية والحقوق التي تمتلكها اليوم، وبالرغم من كل القوانين والعادات التي حكمت المرأة الهولندية خلال الحرب العالمية الثانية، تشعر جيسيكا بالفخر عندما تتذكر تلك التضحيات التي بذلتها عمتها فلوريس مع زميلتها ذاتها لمساعدة المجتمع المحلي والمحتاجين من الأطفال والنساء خلال فترة الحرب، ولقد أخبرتها عمتها عن حادث أخرى حدثت في أمستردام أثناء فترة ما عرف بشتاء الجوع بهولندا حين كان ما يقارب 500 عائلة قد نزحت الى أمستردام عام 1945، وكان معظم النازحين من الأطفال والنساء والمسنين، ولقد رفضت كنيسة فان يارد جنوب امستردام‏ استقبالهم بحجة أن الكنيسة لا تملك الامكانية المادية لمساعدتهم ولا يوجد مكان لاستقبالهم، ولكن الراهبات بذلك الوقت قمن بفتح أحد الأديرة وسمحوا للمشردين بالدخول للدير والنوم في غرف الراهبات والكنيسة، بل وقامت الراهبات ببيع الصلبان والشمعدانات لمسعدة الناس ورفضن أوامر سلطات الكنيسة، هنا تتذكر جيسيكا الحادثة وهي تبكي وتقول لقد كانت ثورة نسائية من الراهبات الذين رفضوا الخضوع لتلك القوانين القاسية، وتضيف لقد غيرتنا الحرب كثيرا وربما نالت المرأة الهولندية والاوروبية العديد من الحقوق التي نعيش  بها اليوم بفضل شجاعة ونضال النساء بتلك الحقبة المؤلمة من تاريخ أوربا وهولندا.

 

 

التعليقات متوقفه