معاناة مستمرة لأطفال سوريا في ظل الحرب ــ إبراهيم الصالح

 

 

ألقت الحرب المُستعرة في سوريا منذ ست سنوات بآثارها الكارثيّة على جميع جوانب الحياة، ونالت الطفولة النصيب الأكبر من هذه الآثار، كون الطفل هو الطرف الأضعف، والأكثر قابليّة للتأثر بما يحيطه، لضعف مقاومته النفسيّة والجسديّة، وتأتي أهمية حماية الأطفال زمن الحرب من أنهم يشكلون الرصيد البشري للمجتمع ومستقبله الذي يعول عليه للاستمرار، وتأثر الأطفال بظروف الحرب والنزاعات المسلحة لايتوقف بتوقف مدافع الحرب، بل يستمر معهم تاركاً أمراض ومشاكل سلوكيّة واجتماعيّة ليس من السهل علاجها، وانطلاقاً من ذلكَ سنحاول من خلال هذا التحقيق البحث في أوضاع الأطفال السوريين، والمشاكل التي يعانون منها بسبب الحرب وسُبل حمايتهم ودور المنظمات الدوليّة والجمعيات الأهليّة في ذلك.

مُنذُ انطلاق الثورة السورية، وبداية العمليات العسكريّة بدأت آلة الحرب تنال من الأطفال بشكل مباشر وغير مباشر، لدرجة أن البعض منهم أصبح أيقونة عالمية تُظهِر مدى الإجرام الذي أصاب الطفولة في سوريا، فمن منّا لا يذكر الطفل (حمزة الخطيب ورفيق مُعتقَلِه ثامر الشرعي) الَّذَين اعتقلتهُما قوات النظام وقامت بقتلِهِما تحت التعذيب والتمثيل بجثتَيهما، وذلك في رسالةٍ واضحةٍ لجميع الأهالي بأن مصير أبنائكم سيكون مشابه لهؤلاء، دون أي رادعٍ من إنسانيّة أو محاسبة دوليّة، وليس القتل وحده ما أصاب الطفل السوري، بل التهجير وفقدان الأبوَين والمعيل والتشرد، فكم من الأطفال السوريين الذين ابتلعتهم أمواج بحر إيجا! ولعل الطفل “أيلان ” الذي أصبح كذلك أيقونة عالميّة يمثل حالة الطفل السوري.

إحصائيات وتقارير دولية

أوردت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في تقريرها للعام 2016م، الذي شَهِد مقتل أكبر عدد من الأطفال، مقارنة بالأعوام السابقة، وقالت المنظمة إن //562// طفلا قد قتل غالبيتهم في المدارس أو في مراكز تجمعات خاصة بالأطفال، وهذه الأعداد هي ماتمّ التحقق من مقتلهم، بينما تتوقع المنظمة أن العدد الحقيقي يفوق ذلك، كما تقدر المنظمة أن أكثر من 850 طفلا تم تجنيدهم للقتال.

كما يذكر تقرير آخر صادر في شهر آذار من العام 2016 أن ما يقارب ثمانية ملايين طفل سوري تأثروا بسبب النزاع، أي 80% من الأطفال السوريين، سواء من بقي في الداخل أو النازحين إلى الخارج، كما تشير المنظمة أن أكثر من مليوني طفل سوري لاجئ خارج البلاد.

كما أورد تقرير آخر عن اليونيسيف أن هناك نحو3.7 مليون طفل سوري، أو ما يعادل واحد من كل 3 أطفال سوريين ولدوا منذ بدء الحرب، وشكل العنف والتشرد جزءً من حياتهم ، ويشمل هذا الرقم 306 آلاف طفل ولدوا لاجئين منذ العام 2011.

من جانبها وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل (23863) طفلاً في سوريا منذُ آذار 2011، كما تعرّض ما لا يقل عن 7457 طفلاً للتعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام، وذلك منذُ آذار 2011 ولغاية آذار من العام 2016.

 

أبرز المشكلات التي يعاني منها الطفل السوري خلال الحرب

1- الاستهداف المباشر: تعتبر سياسة الاستهداف المقصود للأطفال منتشرة بقوة في الحالة السوريّة حيث اتبعها النظام والميليشيات الطائفيّة المرتبطة به، فمن مجزرة الحولة التي كان غالبية ضحاياها من الأطفال ومجزرة الكيماوي في خان شيخون، مرورا بمجزرة الغوطة، كذلك قامت المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة بارتكاب جرائم بحق الأطفال من إعدام بطرق شنيعة، بحُجج وأسباب ملفقة وكان آخرُها المجزرة التي قام بها تنظيم “داعش” بالتواطؤ مع النظام  في قرية عقارب الصافية، حيث أظهرت الصور الواردة من هناك قتل الأطفال وأمهاتهم بشكل وحشي ، كل ذلك في رسالة عن الاستهتار بالقيم الإنسانية وربما “الحيوانية” التي تترفع عن إيقاع الأذى بصغارها.

2– الاعتقال: يُعتبر الطفل وفق جميع الشرائع والقانون خارج إطار إيقاع العقاب والمحاسبة، بل من الواجب إحاطته بالرعاية وتجنيبه كل أشكال العنف. بينما نجد في الساحة السورية وأثناء الحرب يشكل اعتقال الأطفال وسيلة ضغط نفسي من قِبل النظام وميليشياته على خصومهم، فكثيراً ما يُستخدم اعتقال الأطفال من اجل تسليم ذويهم أنفسهم للجهات المُعتقِلة، حيث ذَكَر المعارض ميشيل كيلو في إحدى لقاءاته قصة الطفل والعصفور والشجرة والتي تتناول قصة طفل ولد في السجن ولم ير النور وعندما بدأ يحادثه قال له ميشيل : كان هناك عصفور على …. يقاطعه ماهو العصفور؟!  فقال له: العصفور يطير على الشجرة فرد بـ ” ماهي الشجرة ؟!”  هذا جزء من مشهد الطفولة في سجون ومعتقلات النظام . كما أن النظام قام باعتقال أصغر معتقل وهو الطفل البالغ من العمر 3 أشهر “عمر سلامه محمد ” مع والدته “ريما ملا عثمان” من دير الزور.

كما اتبعت التنظيمات المرتبطة بالقاعدة ذات الأسلوب باعتقال الأطفال.

في مدينة بزاعة التقينا عائلة (س) طلبت عدم الكشف عن هويتهم لأن الخوف من تنظيم داعش لازال يتمكن منهم وهي عائلة نازحة من حي الرميلة في مدينة الرقة حيث قالت الأم إن تنظيم “داعش” اعتقل منذ 3 سنوات الطفل (ع) البالغ 12سنة، بتهمة الكفر أثناء مشاجرة مع الأطفال في الحي، ليبقى مصيره مجهولاً إلى الآن، وهناك الكثير من أمثاله، حيث قامت كثير من العائلات بتهريب أبنائها خارج مناطق سيطرة التنظيم خشية الاعتقال والتجنيد في صفوف التنظيم.

3– تجنيد الأطفال في الأعمال العسكريّة: يعتبر تجنيد الأطفال جريمة حرب وفق القانون الدولي، ولكن في فوضى الحرب كثير من الأطراف لا تراعي تلك الاعتبارات، وكثيراً مايتم استغلال الأطفال في الأعمال القتاليّة وخاصة من التنظيمات الراديكاليّة والميليشيات الطائفيّة وتنظيمات المرتزقة، حيث أن قوات النظام الرسمية تتبع نظام تجنيد معين، فلم تشهد تجنيد الأطفال بشكل رسمي، فيما كان تجنيد الأطفال يتم ضمن القوات الغير رسميّة من مليشيات “اللجان الشعبيّة” والمليشيات الطائفيّة الإيرانية، التي لوحِظ  تجنيد الأطفال العراقيين والأفغان وحتى السوريين ضمن صفوفها، لسهولة تجنيدهم بدافِع المال أو تحت شِعارات دينيّة يتم غرسها في أذهانهم، كما تنتشر ظاهرة تجنيد الأطفال بالقوة في صفوف  ما تسمى قوات “سوريا الديمقراطيّة”. كذلك تقوم التنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة بتجنيد الأطفال والتفاخر بذلك على نطاق واسع، واستخدامهم في عمليات القتل والعمليات الانتحاريّة، وإصدارات تنظيم “داعش” مليء بالأطفال الذين يحملون السلاح في صفوفها وحتى في سن ست سنوات، حيث أظهرت إصداراتهم في أكثر من مرة قيام أطفال بتنفيذ عمليات الإعدام لمعتقلين لديهم من قوات النظام والجيش الحر، أو المدنيين. وتتجه هذه التنظيمات بشكل كبير لتجنيد الأطفال لسهولة تجنيدهم نفسيا من خلال الخُطب الحماسيّة واستغلال قصور الفهم الصحيح لأفعالهم ونتائجه لدرجة تجعل من احد عناصر التنظيم القيام بإعدام والدته كما حدث مع السيدة “لميا قاسم” الموظفة السابقة في مركز بريد مدينة الطبقة، حيث قام الابن المُبايع لتنظيم “داعش” بقتل والدته بتُهمة الرِدَّة والكُفر. كما تحدث لنا المهندس حسن العوض من ريف حلب الشرقي عن تجنيد أحد أبنائه في صفوف التنظيم، وذهبت محاولاته بإقناعه بترك التنظيم سُدى، حيث قتل بعد ذلك في العراق.

كما رصدنا حالة تجنيد من قبل الأهل لأطفاهم في صفوف المليشيات و”اللجان الشعبيّة ” والتنظيمات المسلحة الأُخرى، وذلك حماية للأهل من سطوة التنظيمات وتحقيق بعض المكاسب والامتيازات.

فيما تشهد مناطق سيطرة قوات “الجيش السوري الحر” شبه انعدام لظاهرة تجنيد الأطفال. المحامي محمد العبدالله رئيس المكتب السياسي لفرقة الحمزة العامِلة في منطقة “درع الفرات” تحدث لمجلتنا قائلاً: نحن كرجال قانون وثوار ومقاتلين في صفوف الجيش الحر نضع في أولوياتنا بناء الإنسان، نحن نُقاتِل من اجل الحياة ولسنا قَتَلَة، لذلك نعمل وفق القانون الدولي ومبادئ الإنسانية، وخاصة في فرقة الحمزة يمنع قبول أي مقاتل دون سن (18)، ونسعى بشكل دائم لاستبعاد حتى من هم فوق سن 18 رغبة منا بالتحاقهم بمدارسهم وفق المتاح، حيث أن حاجة الوطن للشباب الواعي المثقف اكبر من حاجته للمُقاتل.

4- الحِرمان من التعليم:

شَهِد القطاع التعليمي تراجع كبير في ظل الحرب الدائرة في سوريا وذلك لعدة أسباب منها:

1- فقدان المؤسسة التعليميّة تنظيمها: حيث انفصلت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام فلم يعد هناك هيكلية بمديريات لتدير عمل المدارس وتؤمن حاجاتها من وسائل التعليم، وتخلي النظام عن دعمها باحتياجاتها من رواتب وكتب ومتابعة العملية التعليميّة.

2- استهداف المدارس بالقصف المتكرر، مما أدى إلى تدمير غالبيتها، بالإضافة لاتخاذ بعض الفصائل من المدارس مقراتٍ لها.

3- إحجام الأهل عن إرسال الأطفال إلى المدارسة خشية عمليات القصف المتكررة.

4- عزوف الكثير من الأهل عن إرسال أبنائهم إلى المدارس نتيجة ضيق الأحوال المادية، وتوجيه الأطفال إلى العمل لكسب المعيشة.

5- إغلاق المدارس في المناطق التي سيطرت عليها تنظيمات مرتبطة بالقاعدة وتوجيه الأطفال نحو التعليم الديني والعسكري.

6- الهجرة والنزوح المتكرر مما يجعل الاستمرار بالتعليم في مكان معين شبه منعدم، حيث شهدت سوريا حركات نزوح داخلية وخارجية مستمرة.

يقول محمد وهو طفل في الثانية عشرة من عمره يقيم في مدينة صوران بالقرب من مدينة إعزاز: تركت مدرستي في مدينة دير حافر بعد سيطرة تنظيم داعش وقصف النظام المتكرر لمدرستنا واستشهاد بعض رفاقي في المدرسة، ولم أتعلم أكثر من الحروف والأعداد إلى المائة. وأنا الآن أساعد والدي في محل صيانة الكهربائيات الذي افتتحه لتامين إيجار البيت ومصاريفنا اليومية.

7- عدم إرسال الأهل أبنائهم إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، للتعليم – المتوفر “نوعاً ما “- خشيةَ تجنيدهم أو اعتقالهم .

كل ذلك أدى لانتشار ثقافة العُنف بين الأطفال حتى أضحت ألعابهم هي عبارة عن أدوات الحرب والأسلحة التي على شكل ألعاب، بسبب كثرة انتشار السلاح بينهم وعلى مرأى منهم.

5- التشرد والهجرة: تعتبر الهجرة هي النتيجة الأبرز للحروب والكوارث، حيث يسعى الإنسان بفطرته للأمان والهروب من الأخطار، وأكثر من وقع ضحية التشرد والهجرة هم الأطفال واليافعين، فكثيراً ما يفقد الأطفال احد الأبوين أو كلاهما ليقع فريسة التشرد وما يستتبعه من أخطار، كما إن خوف الأهل على أطفالهم من عمليات التجنيد والملاحقة دفعت بهم لإرسالهم إلى بلاد الجوار بغاية العمل وتجنيبهم خطر الصراع، فقد شكلت نسبة هروب اليافعين من مناطق النظام وتنظيم “داعش” النسبة الأكبر، حيث التجنيد الإجباري، وكانت الوجهة إما إلى مناطق سيطرة الجيش السوري الحر أو إلى دول الجوار، ويستتبع ذلك خطر الانحراف على الأطفال واليافعين لغياب الرقابة والتوجيه والبعد عن العائلة.

“علي” طفل في الخامسة عشرة من عمره خرج من مدينة حماة خشيةً من زجه في صفوف قوات النظام، ليبدأ رحلة الهرب من أجواء الحرب لينتهي به المطاف في مدينة غازي عنتاب التركية، يقول علي : بدأت رحلتي بعد أن أرسلني والدي مع سائق سيارة نقل بضائع إلى مدينة ادلب، حيث بقيت فيها ما يُقارب الشهر، وبعد محاولات عدَّة استطعت الدخول إلى تركيا عبر طرق التهريب برفقة مجموعة من الشباب، وصلت إلى مدينة غازي عنتاب، ولم أكن اعرف أحداً هنا، وقد نمت عدة أيام في الحدائق وبعدها تعرفت على بعض الشباب حيث رافقتهم إلى احد مستودعات جمع مواد البلاستيك والخردوات، ومنذ ذلك الوقت اعمل معهم ونقيم في المستودع ونتقاضى أجور “معقولة”، وقد اشتريت ملابس وهاتف حديث وأتواصل مع أهلي، ولدى سؤالنا له عن مستقبله التعليمي قال: أتمنى أن اذهب إلى المدرسة وأكمل تعليمي لكن لايوجد إمكانية لذلك، ويضيف: نتيجة ما شاهدتُه خلال السنوات الأخيرة لم يعد من المهم التعليم، ومجرد بقائي على قيد الحياة هو مكسب رائع ويتبعها بقهقهة ساخرة قائلا : “الدنيا هيك عمو”.

6- الآثار النفسية التي تخلفها الحرب لدى الأطفال:

أكثر ما تتركه الحرب من الناحية النفسية هو لدى الأطفال بسبب قابليتهم العالية للتأثر بمشاهد القتل والعنف فكثيرة هي الأمراض النفسية التي تصيب الأطفال أثناء الحروب.

الدكتور “جلال نوفل” الطبيب النفسي في حديث لمجلة الغربال يقول: يقسم الأطفال إلى ثلاث فئات، فئة الأطفال مادون السن الدراسي، والأطفال ما فوق السابعة إلى الخامسة عشر من العمر، والفئة الأخيرة هم مابين الخامسة عشر إلى الثامنة عشر، ويكون تأثر كل فئة مختلف عن الفئات الأخرى، حيث إن الفئة الأولى تتأثر بشكل اكبر بفقدان الأبوين، وتظهر عليهم أعراض الخوف ومشاكل سلوكية، كفقدان النطق والإصابة بالسلس الليلي، بينما يصاب الأطفال في المراحل الأعلى بالسلوك العدواني والغضب غير المبرر والانعزالية والانحراف، وهذه الحالات إذا لم يتم معالجتها وإبعاد الأطفال عن جو العنف والحرب نكون أمام مخاطر تراكم هذه الحالات وتوسعها في المجتمع وحينها سنكون أمام جيل كامل من المرضى النفسيين.

الأطفال في دول اللجوء

لعل أوضاع الأطفال في دول اللجوء هو أفضل نوعا ما من اقرأنهم في الداخل ،حيث وفرت دول اللجوء لهم إقامة بعيدة عن أجواء الحرب، والعنف ومستوى معين من التعليم والخدمات الصحية، والمعاناة التي استمرت معهم في دول اللجوء هي فقدان احد الأبوين أو كلاهما. مما يُخشى من استغلالهم بعمليات الاتجار بالبشر والعمالة والتزويج المبكر للقاصرات، ونجد العديد من المنظمات والجهات قد افتتحت مراكز لرعاية الأيتام في هذه الدول، وعادة ما تؤمّن هذه المراكز كادر من المرشدين النفسيين وتشكل جو اجتماعي يخفف من آثار فقدان  الطفل لعائلته وبيئته. “نور” طفلة ولدت في تركيا وتقيم في مركز لرعاية أبناء الشهداء، وهي من إحدى القرى في ريف حلب الشمالي، نور ولدت بعد مقتل أبيها على يد تنظيم “داعش” بتهمة انتمائه للجيش الحر، عندما تشاهد هذه الطفلة لا تستطيع إلا أن تُحبها فهي شُعلة من الذكاء والحركة، وكل من في المركز يعرفها ومتعلق بها، ربما الجو الاجتماعي المحيط بها خفف قسوة الظروف وجعلها تتأقلم مع واقع ولدت فيه.

خلاصة القول يمكننا آن نستنتج أن الأطفال في سوريا هم الفئة الأقل اهتماما بأوضاعهم، على الرغم من كثرة منظمات وجمعيات الدعم النفسي التي تتبع الطرق التقليدية في مواجهة مشاكل الأطفال، والحل الأنجع لمشاكل الأطفال في سوريا يتلخص في خطوتين عمليتين هما:

  • إيجاد مراكز إقامة آمنة للأطفال، بعيدة عن عمليات القصف، وهذه ما يتوفر اليوم في مناطق الشمال الشرقي من ريف حلب (إعزاز- الراعي – الباب – جرابلس) والتي تعتبر اليوم منطقة خارج عمليات القصف والطيران. مما يمنح الأطفال شيء من الاستقرار والشعور بالأمان.
  • إعادة افتتاح المدارس ودمج الأطفال مع أقرانهم في جو التعليم واللعب والأنشطة، وهذا ما نلاحظ وجوده بشكل جيد في مناطق الشمال السوري في مارع والباب وجرابلس والراعي وقراها، حيث قامت لجنة إعادة الاستقرار التابعة لمجلس محافظة حلب الحرة بالتعاون مع المكاتب التعليمية في المجالس المحلية بافتتاح العديد من المدارس وتأمين مستلزمات العملية التعليمية.

ونأمل في القادم من الأيام أن تتحمل كافة الجهات الرسميّة والأهليّة مسؤولياتها تجاه الأطفال السوريين والتعامل مع قضيتهم بكامل المسؤوليّة الإنسانيّة والوطنيّة.

 

 

“الجيل الضائع” في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية (اعداد محمد خضر)

في ألمانيا، خلال الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرةً، عاش الأطفال في ظروف مأساوية، فقد تمزقت البلاد بين أربع مناطق احتلال، أمريكية، بريطانية، فرنسية و سوفييتية، وسادت سياسة الانتقام ونهب البلاد، وتكفي الإشارة إلى أن فرنسا كانت تأخذ الفحم الألماني لتدفئة شعبها في الوقت الذي تعرّضت فيه ألمانيا لشتاء قاسٍ وصلت فيه درجة الحرارة إلى 30 درجة تحت الصفر ما تسبّب في حصول كوارث إنسانية.

تقول الباحثة الألمانية أندريا نيترشايدت: ” كانت المشاهد متشابهة في جميع المدن الألمانية بعد الحرب، نسوة يرفعن الأنقاض، وأخريات يستولين على الأراضي المحيطة ببوابة براندنبورج القائمة في العاصمة برلين، ليزرعن فيها الخضراوات التي تسدّ رمقهن، في ظرف غياب الرجال، إما أسراً، أو موتاً، وأطفال أوكلت إليهم أمهاتهم مهمة الوقوف أمام مناجم الفحم، للهجوم على سيارات النقل الخارجة، وسرقة ما تيسر من حمولتها من الفحم للتدفئة، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بإغلاق المدراس بحجة تطهير مناهجها والقائمين عليها من الفكر النازي.”

بدأ العمل على تأهيل الشباب في المجتمعات المتضررة كأساس للنهضة الاقتصادية المرجوّة، إلا أن الاختلال الكبير الذي حصل في التركيبة السكانية للدول الأوروبية التي شاركت في الحرب، من حيث الفارق بين الرجال والنساء، وبين الأطفال والمسنّين، كان العقبة الرئيسة أمام جميع الحلول.

الحكومة في ألمانيا الغربية كانت تعي تماماً المشكلة الكبيرة التي أخذت تتفاقم يوماً بعد يوم، وهي النقص الكبير في عدد الشباب، ولم تستطع تقديم حلول لهذه المشكلة، ما أجبرها على جلب لاجئين من خارج ألمانيا لكي تستطيع تغطية التطور الاقتصادي الكبير وما أفرزه من الحاجة إلى يد عاملة، وفي نفس الوقت لتقليل الهوة الحاصلة في ألمانيا بين الشباب وكبار السن وبين الرجال والنساء، فحتى عام 2000 كان 40% فقط من النساء الألمانيات يعشن مع شريك، ما يعني أن أكثر من نصف النساء الألمانيات يعشن وحيدات، و و ما يعتبر إحدى تبعات الحرب العالمية الثانية التي لا تزال ماثلةً حتى يومنا هذا، ولأن القانون الألماني يحظر الزواج بأكثر من امرأة واحدة، فالأمر ازداد سوءاً.

المجتمع الألماني اليوم يشكل مثالاً حياً عن مآسي الحرب التي يكون لها تبعات دوماً، لذا فهو يعمل بكل الطرق على بناء مجتمع متعاف من المشاكل التي كانت أسباباً رئيسة في قيام الحرب العالمية الثانية عن طريق التأكيد على تساوي الجميع والديمقراطية بالحكم وتوفير كافة سبل الرفاهية للمواطنين.

 

التعليقات متوقفه