الآثار السوريّة بين فكَّي الكمّاشة.. الحرب والتجارة ــ ريم الحمصي

أظافر الحرب المتوحّشة التي أفلتها “الأسد” على الجسد السوريّ، لم تكتفِ بنَهْش البشر وكسر الحجر قطّ !!

بل تحرّت تشويه الوجه الحضاريّ والتاريخيّ لسوريا، فنجحتِ الحرب بإخراج ثُلُثَي المواقع الأثريّة وعمرها أكثر من خمسة آلاف سنةٍ حضاريّةٍ -أي ما يُقدّر بـ65%- من لائحة (اليونيسكو) للتراث العالميّ؛ بسبب اختفائها سرقةً أو تدميراً، وشمل التصنيف مُدُن “دمشق، حلب، تدمر، بُصرى” القديمة، وقِلاع “الحِصْن، والمَضِيق”، إضافةً للمعابد والسراديب والمواقع اليونانيّة والرومانيّة المدفونة شماليّ وغربيّ البلاد. في الواقع لطالمل كانت الثقافة والآثار مصدر اهتمام جميع الأطراف المتنازعة في الحروب. ففي الحرب العالمية الثانية مثلاً، سعى كل طرف إلى سلب الطرف المقابل تاريخه وثقافته ليسهل عليه السيطرة على بلد الخصم، وليتم استخدام نهب الفن والتدمير المتعمد للتراث الثقافي للطرف الخاسر كوسيلة تكميلية لقهر وإذلال، أما تجار الحروب فوجدوا فيها مكاسب كبرى لما تحققه من أرباح وسهولة للتعامل معها في ظل الانفلات الأمني الحاصل أثناء الحرب.

 نقطة البداية من عند النظام

بدأ النظام عمليّاته ضد الآثار منذ عام /2012/، حين احتلّ جيشه قلعة “ابن مَعَان” الرومانيّة بريف تدمر، حيث أوقفوا دبّاباتهم ومُدرّعاتهم في “وادي القُبُور” غرب المدينة، وروى بعض الأهالي أنّ الجيش شقَّ خندقاً عميقاً داخل الأطلال الرومانيّة. كما سُجِّلت تجاوزاتٌ لجيش النظام في حمص، حيث تعرّض متحف المدينة للنّهب من قبل مجهولين، بالتزامن مع قيام الجيش بنسف المباني الأثريّة المُجاوِرة، بحُجّة تحصّن الأعداء داخلها إعلاميّاً، علاوةً على ازدياد نسبة الدمار في تدمر، والذي سبّبته الاشتباكات المدفعيّة بين قوّات النظام والمعارضة في أيلول 2013، ثمّ تجدّدت هذه الاشتباكات الثقيلة بين قوّات النظام و”داعش” في أيّار /2015.

رأى الكاتب الصحفيّ المتخصّص في الآثار “عمر البنيّة”، أنّ “القيمة المادّية للآثار التي تمّ تدميرها أو تهريبها من الأماكن التاريخية السوريّة لا يُقدَّر بثمنٍ وقد تجاوزت ملايين الدولارات؛ أمّا القيمة الحضاريّة لهذه الآثار فتعود لعُمر الحضارة السوريّة القديمة التي تمتدّ لآلاف السنين، منذ استخدام المِحْراث الأوّل، وبناء المَسْكَن الأوّل، وكتابة الحرف الأول، وحسب ما أوردت منظّمة “اليونيسكو” في خطّتها لحماية الآثار والمُموّلة من الاتّحاد الأوروبّي لثلاث سنواتٍ، فإنّ “قيمة التحف الأثرية المنهوبة في العراق وسوريا تتراوح بين /07-15/ مليار دولار” مع وجود قطَعٍ لم يتمّ تمييزها بين التزوير والإخفاء، واصفةً إيّاها بـ”كنوزٍ لا تُعوّض لسوريا والعالم”.

 في أوربا، ومع بداية الحرب العالمية الثانية واحتلال بولندا من قبل القوات النازية/ سبتمبر 1939، باشرت القوات النازية بالقضاء على الثقافة الموجودة في البلد المُحتل، لم تكن بولندا البلد الوحيد الذي تعرض للغزو من قبل القوات النازية، فقد تم نهب كل الممتلكات الثقافية من جميع الأراضي المحتلة وحصل ذلك بطريقة منهجية مع المنظمات التي أنشئت خصيصا لتحديد أي ممتلكات الأكثر قيمة للنظام النازيوقد خصصت بعض المسروقات لهتلر، وذهب قسم منها لغيره من المسؤولين رفيعي المستوى مثل هيرمان غورينغ، في حين تم تداول المسروقات الفنية الأخرى لتمويل الأنشطة النازية.

يد “الأسد” في كفّ “داعش

المُراوغات بين النظام والتنظيم لم تتوقّف هُنا، بل كانت يد “الأسد” مستمرّةً بتخريبها في عمليّاتٍ سرّيّةٍ لبست أمام الإعلام كفّاً داعشيّاً أسودَ. فحسب صحيفة “الإندبندنت” البريطانيّة في تقرير خبراءٍ نشرته نهايةَ /2015/: “تنظيمَ داعش كان يُراوغ العالم بفيديوهاتٍ تُظهر مسرحيّة تدميره لآثار تدمر، في حين كانت أسعار سوق الآثار الدوليّ ترتفع كلّما طال الجدول الزمنيّ لنشر هذه الفيديوهات، التي تُظهر التدمير بمطارقَ ومعدّاتٍ ضخمةٍ تُهوّل الحَدَث، فيما تمَّ إخفاء التماثيل الثمينة والقطع الصغيرة، التي انتقلت عبر تركيا إلى المتاحف الأوروبيّة”.

“اليونيسكو في خطّتها الأوروبيّة وصفت هذه العمليّات للتنظيم، بأنّها “استراتيجيّةٌ وُجِدَت للتطهير الثقافيّ العنيف والمدروس، تقنّع بها التنظيم بتدميره مواقعَ إسلاميّةٍ ومسيحيّةٍ ويهوديّةٍ”، وحدّدت المنظّمة ما استهدفته “داعش” بمباركة النظام من أطلال تدمر تمتدّ على مساحة /10/ كم2 شرقيّ البلاد، شاملةً: “معابد بعل، شَمّين، نَبُّو، اللَّات، أقواس النصر، الحمّامات الرومانيّة، مجلس الشيوخ، والمدرّج المسرحيّ”، إضافةً للأعمدة الشاهقة، والتماثيل الضخمة، وبعض الأضرحة الإسلاميّة.

وعن هذه العمليّات التي ادّعت تدمير الآثار تحت طائلة التكفير والحُرمانيّة، ذكر “البنيّة” أنّها: “ظهرت للناس كارثةً حقيقيّةً بحقّ حضارتنا وآثارنا، لكنّها ما كانت إلّا نتيجة مسرحيّةٍ حبكها النظام السوريّ بمساعدة مديريّة الآثار، ليتمكّنوا من سرقة مزيدٍ من الآثار بشكلٍ منظّمٍ على أيادي مليشياته، المنتشرة بكثافةٍ في تلك المناطق لنقل وتهريب كلّ ما خفَّ حَمْله وغلا ثمنه، أمّا القطع الكبيرة والضخمة كالتماثيل والأعمدة فتركها النظام وليمةً للتنظيم، الذي دمّرها لصناعة أفلامه وإرهاب الناس، وبقيَتْ مسرحيّةً كُشِفت لاحقاً بين النظام وداعش“.

 المديريّة العامّة واجهةٌ وشريك

عام /2013/، تحرّكت مديريّة الآثار الحكوميّة بتفريغ كلّ المتاحف، وقالت بأنّ: “القطع الأثريّة غُلّفَت ونُقِلَت إلى أماكنَ آمنةٍ، تمّ تركيب أبوابٍ حديديّةٍ إضافيّةٍ لها”، كذلك “الوثائق التاريخيّة نُقِلَتْ إلى مستودعاتٍ مُخصَّصةٍ مُؤمّنةٍ ضد أخطار السرقة والحَرْق والرطوبة”.. لكن لم يَكُن هناك من شاهدٍ سوى النظام السوريّ الآمِر بذلك.

وقُدّرت كمّية الآثار التي وضع النظام يده عليها بأنّها كافيةٌ لتُوزَّع على /11/ مُتحفاً وطنيّاً.  كما زعمت وزارة الثقافة أنّ الأجهزة الأمنيّة استعادة حوالي /4,000/ قطعةٍ أثريّةٍ مسروقةٍ، لكنْ تبيّن فيما بَعْد أنّ نسبةً كبيرةً منها كانت مُزيّفةً، وفقاً لتحقيق “الإنتربول” الذي أغلق الملفَّ حينها.

“عمر البنيّة” عمِل سابقاً في المديريّة العامّة للآثار والمتاحف بدمشق، وشهِد ما حصل هناك من تجاوزاتٍ. فقال: “نظام الأسد يستغلّ عمليّات التدمير والنهب للتستُّر على اختلاساته السابقة للمتاحف ومواردها، التي كانت تُسرَق بإيعازٍ لرجال الحكومة بعد إقفال مستودعاتها بالمفتاح منذ ما قبل عام /2011/، أمّا اليوم فيلجأ النظام إلى طمس معالم السرقات القديمة، بحركةٍ هي الأخطر عبر إتلاف سجلّات القطع الأثريّة ومحوها، كما فعل في متاحف تدمر والرقّة، حيث تعمّد إهمال السجلّات التي تركها لداعش لإتلافها، حتى تسهُل عليه لاحقاً عمليّات تهريب القطع الأثريّة دون وجود مُطالِبٍ رسميٍّ فيها“.

ويؤكّد ذلك “أنس المقداد” الباحث الأثري في جامعة “السوربون”، فيما رصده من مراحلَ مرّت بها المديريّة -حسب وصفه في مقالٍ سابقٍ له- وقال: “تخلّلتِ المراحل تسلُّق بعضهم المديريةَ دون خبرةٍ علميّةٍ وإداريّةٍ، وطَغَتْ الأنانيّة والانتهازيّة والشخصيّة على عملهم، ما أدّى لتدنّي مستوى الاهتمام بالآثار، وإلى سرقة قطعٍ أثريّةٍ (بالمفتاح)، والعَبَث بمحتويات المتاحف، وانتشار التنقيب غير الشرعي عن الآثار من قبل كِبار الضُبّاط الذين عاثوا -بدورهم- فساداَ، فنهبوا القطع الأثريّة وتاجروا بها، بالتنسيق مع بعض الموظفين في المديرية العامة“.

 التغيير الديموغرافيّ والاستراتيجيّ يسحب البساط من تحت حضارتَي دمشق وحلب

الآثار المُهرَّبة والمُدمّرة ما هي إلّا غَيضٍ من فَيضٍ في قضيّتنا، لكنّ “الأسدّ” شقَّ طريقاً آخرَ في تدمير الحضارة السوريّة، محاولاً تغيير هويّة بعض المُدن القديمة، كما في العاصمتَين. الإداريّة دمشق والاقتصاديّة حلب.
إذ تقصَّد “الأسد” فَتْح أبواب دمشقَ السبعة على مصراعَيها لاستقبال المدّ الإيرانيّ الشيعيّ، محروساً بقوّاتٍ أمنيّةٍ تطوّق سور المدينة القديمة، في حين استهدفت قوّاته مدينة حلب فقصف آثارها، بدءاً من أجراس كنيسة “مار سمعان” وصولاً إلى حُصُون القلعة الشهباء، كما أحرق السوق القديم مُجرِّداً حلب من قيمتها الاقتصاديّة.

دمشق الأمويّة تحت الرابوص الايراني

ذلّلت حكومة “الأسد” تسهيلاتٍ أمام تمليك إيران أراضيها قانونيّاً، وفقاً للقانون رقم /25-2013/، القاضي بتبليغ المالك في المناطق الساخنة المُدَّعى عليه غيابيّاً، وعند عدم حضوره يُنفّذ بحقّه المرسوم العامل بقاعدة “الربحيّة والتشاركيّة”، فتُباع المُلكيّة لمن يملك الثّمن الذي تُحدّده السُلُطات. وحسب موقع “بيك. نت” الإيرانيّ؛ فإنّ: “الأثرياء الإيرانيّين ساهموا بمبالغَ ماليّةٍ كبيرةٍ في سوريا، مقابل تملُّك عقاراتٍ في مناطق العاصمة دمشق الفخمة والراقية، إضافةً إلى الأرضي المُحيطة بمَزَار السيّدة زينب”، وهذا ما يفسّر الارتفاع الكبير في أسعار هذه المناطق أمام أبناء البلد السوريّين.

نار الثورة والحرب في البلاد /2011/ ما كانت إلّا واجهةً لمضاعفة صفقات النظام بتسليم العاصمة لإيران، لكنّ هذه الصفقات كانت قد بدأت مع بداية عهد “الأسد الابن”، الذي رعى بمباركةٍ إيرانيّةٍ افتتاح /12/ حَوزةً دينيّةً وثلاث كليّاتٍ شرعيّةٍ شيعيّةٍ بدمشق وريفها بين عامَي /2001-2006/؛ نذكر منها حَوزات (الإمام الحُسين، الإمام المهديّ، زَيْن العابدين، الشهيدَين الصدّيقَين، قمر بني هاشم)، وآخرها كانت حَوزة (فقه الأئمّة الأطهار)، اختصّت بنشر التعاليم الشيعيّة واستقبال مُريديها، وفق منهجٍ وصفه بعض المطّلعين بـ”الفجّ دينيّاً والمُحرِض طائفيّاً”، علاوةً على فَصْل رئاسة المؤسّسات الدينيّة الشيعيّة عن الأوقاف السوريّة السُنّية، عبر تأسيس (مديريّة الحَوزات العلميّة) بدمشق عام /2005/، بقرارٍ من “الأسد” وموافقةٍ من جهاز الأمن السياسيّ.

اليوم “طُوِّبَت” دمشق القديمة -حسب وصف من بقي من أهلها- بالطابع الشيعيّ المنتمي بشكل ظاهرٍ لحزب الله أوّلاً؛ حيث تعجُّ المنطقة بالمقاتلين اللبنانيّين الشيعة، “يتميّزون بلحاهم الطليقة، ورؤوسهم الحليقة، ونسائهم المتّشحات بالحجاب الأسود والمسؤولات عن تفتيش واحتجاز بنات السُنّة”؛ الأمر تعدّى ذلك إلى علنيّة بيع وتأجير البيوت الدمشقيّة كمقاهٍ ومطاعمَ وخاناتٍ لمُلّاكٍ شيعةٍ لُبنانيّين وإيرانيّين، تستقبل الميليشات التي تستريح هناك من مهام ضبط الأمن لصالح الّنظام وحراسة حُجّاج تلك المناطق.

حلب خارج السباق الاقتصاديّ والحضاريّ

(37) سوقاً ملوّناً بصنوف البضائع الممتازة، تمتدّ على طول (15) كم ومساحة (16) هكتاراً، كما تمتدّ على بساطٍ واسعٍ من الانتشار التجاريّ الدوليّ، إلى جانبها “البازار الأثريّ” المُؤسَّس منذ العهد الهيلنستي، بطولٍ وتفرُّعاتٍ بلغت (12) كم، جميعُها جعلت حلبَ أيقونةً اقتصاديّةً لعشرات السنوات.  لكنّ معظمها باتت اليوم رماداً يتناثر على أطلال المدينة القديمة، لا حضارةَ تروي عنها ولا تجارة تكسب منها، منذ عام (2012)؛ حين رُسِمَت المدينة كخطٍّ تماسٍّ مباشرٍ ومُميتٍ بين جيش النظام ومُقاتلي المعارضة اللذان اقتتلا للسيطرة على المدينة، فتحوّلت حلبُ القديمة الأثريّة بحوانيتها ومساكنها وأزقّتها إلى ثكنةٍ عسكريّةٍ، أُغلِقَتْ بعد أربع سنواتٍ على دمارٍ تامّ، ومالم يُدمّر منها استباحه جنود النظام ملاذاً لهم من دكاكين وخانات، كذلك “البازار” يقول السُكّان المحلّيون أنّهم شهِدوا بحرقةٍ النار الهائلة التي اندلعت فيه، وبعد محاولاتٍ لإنقاذه لم يتبقّى منه إلّا الربع حيث انهار حوالي (60%) من أجزاءه.

خبير الآثار الألمانيّ السوريّ “مأمون فَنْصة” أكّد سابقاً أن للجزيرة. نت أنّ: “ترميم المدينة القديمة من حلب صعبٌ جدّاً لأسبابٍ مادّيةٍ وأخرى بشريّةٍ؛ حيث أنّ الترميم يحتاج مليارات الدولارات وفترة زمنيّةٍ طويلةٍ”، مقدّراً هذه المبالغ بين عشرين إلى ثلاثين مليار يورو، والفترة الزمنيّة بين خمسِ وعشر سنواتٍ، إضافةً إلى إشراف الخُبراء الفنّيّين على حُسْن إعادة التعمير والترميم للمدينة“.

 الأثمان الباهظة لتُجّار الحرب

تكرّرت فضيحة النظام في العام /2013/، عندما نُشِرَت فيديوهاتٍ تُظهِر جنوداً نظاميّين مدعومين بالشبّيحة، يخرجون من أحد المتاحف وبحوزتهم قطعٌ أثريّةٌ، حمّلوها في سيّاراتٍ قِيْل أنّها تتّجه إلى السوق السوداء السوريّة في لبنان، في الوقت الذي استمرّت فيه خطابات أجهزة “الإنتربول” الدوليّ والسُلُطات اللبنانيّة المُندّدة بمثل هذه العمليّات.. وقد أكّدت صحيفة “الصنداي تايمز” البريطانيّة هذه المشاهَدات عبر مراسلها الخاصّ، الذي توصّل إلى تماثيلَ أثريّةٍ سوريّةٍ عُرِضَت عليه بإحدى ضواحي بيروت، لشراء التمثال الواحد بمليونَي دولارٍ أمريكيّ، إضافةَ إلى تُحَفٍ أخرى استطاع توثيقها بصورٍ، أكّد خُبراء “اليونيسكو” أنّها تعود للحضارات التي قامت في سوريا.

علّق البنيّة على مثل هذه المقاطع بأنّ: “عصابات وتجّار الحرب الذين ساهموا بتهريب وبيع الآثار السورية إلى الخارج، لا يمكن تصنيفهم وتسميتهم إلّا ميليشياتٍ، تابعين لآل الأسد عامّةً وللقصر الجمهوريّ خاصّةً، يُوَظّفون ويُزرعون في مديريّات الآثار وفي المتاحف بزعامة “مأمون عبد الكريم” المدير العام للمديريّة. أمّا أهدافهم من هذه العمليّات الدنيئة فعلى شِقَّين: الأوّل؛ تزييف وتزوير التاريخ السوريّ بصفقاتٍ مدفوعة الثمن. والثاني؛ كسب المبالغ الماليّة على حساب تاريخ وحضارة البلاد“.

وعن مصير هذه الثروات المُباعة، تحدّث المدير التنفيذيّ لمكتب “خسارة الفنون” اللندُنيّ عام /2015/، عن وجود عشرات القطع الأثريّة السوريّة في السوق البريطانيّة للتُحَف، اعتبرها “مجهولة المصدر”، مُقدّراً وصولها مع الهاربين من الحرب في سوريا. كذلك خبراءٌ متصفّحون للمزاد العلنيّ الأوّل عالميّاً (ebay)، شاهدوا على الموقع صوراً، أكّدوا أنّها لقطعٍ من الخَزَف، والنقود المعدنيّة، والمجوهرات النفيسة، تعود إلى حضاراتٍ عاشت في أرض سوريا والعراق. حتّى أنّ الآثار وصلت لحُضن العدوّ الأوّل، حين افتتحت الصحافة الإسرائيليّة تقاريرها عام 2015  بعنوان “الغنيمة الكبيرة”، متفاخرةً بـ”استرجاع بعض اللفائف التوراتيّة القديمة من سوريا، التي وصلت إلى الكيان الإسرائيليّ تهريباً عبر الأردن”.

 بعد ما أعلنه مكتب التحقيقات الفيدراليّ الأميركيّ (FBI) في آب/ 2015، أنّ: “بيع آثار العراق وسوريا في السوق السوداء، أصبح مصدرَ تمويلٍ رئيسيٍّ لأمثال داعش”، وما أطلقه من مناشداتٍ لسماسرة الفنّ في الولايات المتحدة على “توخّي الحذر عند شراء الآثار القادمة من منطقة الشرق الأوسط”؛ أجمع الخبراء على ضرورة الاستمرار بفتح ملفٍّ خطيرٍ مثل قضيّة “الآثار”، والتحرُّك السريع والتوعية الكاملة لحلّه، بإحالته إلى محكمة الجنايات الدوليّة، وعولمة هذه القضيّة، خصوصاً مع ازدياد تعقيد الوضع السوريّ في المنطقة.

استعادة وترميم الاثار بعد الحرب العالمية الثانية (اعداد اغيد خضر)

عملت دول الحلفاء مع نهاية الحرب على إنشاء منظمات تعنى بالقطع الأثرية والفنون الجميلة تعمل على السفر إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة الجيش النازي للعثور على المستودعات التي تم اخفاء الاثار بها، واستطاعوا العثور على الاف القطع الاثرية واستردادها، كانت موزعة في 1050 مستودعاً في المانيا والنمسا في نهاية الحرب العالمية الثانيةوشملت أول شحنة من الأعمال الفنية التي وصلت إلى مدينة فيسبادن في المانيا “Wiesbaden ” مجموعة من الآثار من الفن المصري، والقطع الأثرية الإسلامية، واللوحات من متحف القيصر فريدريش في برلينوتمت استعادة ما يقرب من 700 الف قطعة اثرية  بما في ذلك اللوحات والمنحوتات، وذلك لإبقائها بعيداً عن الجيش السوفياتي وانتقامه.

معظم الأعمال الفنية والتحف المسروقة وجدت مخبأة في مناجم الملح والأنفاق والقلاع المنعزلة، ولم يتم إرجاع العديد من الأعمال الفنية إلى أصحابها الشرعيين واضطر تجار الفن والمعارض والمتاحف في جميع أنحاء العالم للبحث في مصدر جمعهم من أجل التحقيق في الادعاءات التي تم الحصول عليها بعض العمل بعد أن سرقت من أصحابها الأصليين.

 وقام الحلفاء بجمع الأعمال الفنية وتخزينها في اماكن اطلق عليها اسم نقاط الجمع، وكان هنالك نقطة تجميع مركزية في ميونيخأعيدت الأعمال الفنية المحددة، التي حصل عليها الألمان خلال الحكم النازي، إلى البلدان التي أُخذت منهاعندما تم إغلاق نقطة تجميع ميونيخ، لم يتم العثور على اصحاب العديد من القطعوكان هنالك العديد من المنظمات التي عملت للمساعدة في إعادة المواد المسروقة التي أخذت من الشعب اليهودي، واعتماداً على الظروف قد تتلقى هذه المنظمات الأعمال الفنية بدلا من وارثيها.

 في عام 1985، أصدرت الدول الأوروبية قوائم الجرد من الأعمال الفنية والقطع النقدية والميداليات التي صودرت من اليهود من قبل النازيين خلال الحرب العالمية، وأعلنت تفاصيل عملية إعادة القطع إلى أصحابها والورثة الشرعيين.  وفي عام 1998، أوصت لجنة استشارية نمساوية بعودة 6292 قطعة فنية إلى أصحابها القانونيين – معظمهم من اليهود– بموجب أحكام قانون رد الحقوق لعام 1998.

 

 

التعليقات متوقفه