المخاطر الأمنية تعكّر حياة السكان في إدلب – أمير فضل
الغربال – يزداد الوضع الأمني سوءاً كل يوم في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وبناءً على ذلك تتغيّر حياة السكان وأولوياتهم، وطبيعة أعمالهم، بسبب فقدان الأمان وانتشار الخوف من الخطف أو القتل أو السرقات.
تقول “أم رامي” من مدينة معرة مصرين بريف إدلب الشمالي، لـ “الغربال” إذا كانت ابنتك جميلة يجب عليك أن تحافظ عليها وتمنعها من الخروج أمام الغرباء، لأنها ستتعرض للخطف” بهذه العبارة عبّرت السيدة الأربعينية عن تردّي الوضع الأمني في الشمال السوري.
وتضيف “لدي أربع بنات كبراهن لم تتجاوز سن العشرين، آخر مرة خرجن من المنزل قبل شهرين بالضبط، ذهبن حينها إلى مدينة إدلب ثم عُدن على وجه السرعة”، تؤكّد “أم رامي” أنّ، “الوضع الأمني أسوأ بكثير مما كان عليه قبل عام 2011، فعند أذان المغرب تصبح الشوارع خالية من الناس، ولا يستطيع أحد الخروج من منزله بسبب كثرة اللصوص وإطلاق الرصاص العشوائي”.
لم تكن أم رامي وحيدة في هاجسها الأمني، فـ”أبو أحمد” البالغ من العمر (65 عاماً)، يفكّر بالخروج من مدينة إدلب، والتوجه إلى مناطق النظام في حماه، لكنه ينتظر بيع منزله، لأنه لا يملك المال، ويتوقع ذلك خلال فترة قريبة، وعن سبب هذه الخطوة يقول لـ “الغربال” إنّ، “بشار الأسد ظالم، لكنه ظالم واحد فقط، أما الآن فنشاهد عشرات بل مئات الظالمين الذي يعملون كالخفافيش في الليل، يخطفون ويقتلون، ولا أحد يستطيع البحث عن فقيده”.
وأشار أبو أحمد إلى أنّه، “لا يمرّ يوم بدون الإذاعة عن جثث مجهولة تصل كل يوم إلى المدينة، ويذاع عنها في المساجد، ويسارع أهالي المفقودين للبحث عن أبنائهم والتأكد من هوية الضحية”.
أبو أحمد لا يأمن على نفسه في “مدينة الزيتون”، كما وصفها لكنّها أصبحت “مدينة الخوف والرعب” في الوقت الراهن، وأشار إلى مسدسه واصفاً إياه بـ “رفيقي الدائم في تجوالي ضمن المدينة وخارجها”.
الأسواق التجارية تغلق في وقت مبكّر لتردّي الوضع الأمني
“ما إن تدخل الساعة السادسة مساءً، حتى تسمع صدى أصوات الأبواب المعدنية، وهي تغلق في مدن إدلب وأريحا وجسر الشغور وسلقين وحارم، وتتحوّل الأسواق الى أماكن للأشباح”، وفق ما قال الخياط “أبو خالد الزير” أحد سكان حي القصور في إدلب، لـ “الغربال”.
ويشبّه أبو خالد الوضع في المدينة مساء، بـ “وقت إفطار الصائمين في رمضان”، في إشارة إلى خلو الأسواق، لكنّ الخوف هنا هو العامل المسيطر، الذي يجبر الناس على إغلاق محالّها التجارية في هذه الساعة، وعن أسباب هذا الخوف، يشير إلى أصحاب اللثام الأسود الذين يستبيحون كل شيء، عندما ينقصهم مورد أو مال، هم الذين يوزعون الخوف على الناس وكأنه مفروض، ولا يستطيع أحد الاعتراض على ذلك”.
يقول “محمد مخزوم” أحد سكان مدينة أريحا لـ “الغربال” نغطّي نوافذ المنازل بغطاء أسود، كيلا يُعلم إذا ما كان النور يعمل، خشية أن يستغل اللصوص هذا الوضع وينفذوا ما يريدون”.
كلا الرجلين يؤكّدان أنّ الوضع لم يكن هكذا في العام 2011، فالأسواق تغلق بعد العاشرة والناس يشعرون بالأمان، “المخزوم” يفكّر في نقل متجره إلى جانب منزله، ويحاول توفير السيولة المادية لذلك، لأنه يخشى على زوجته وطفله الصغير، ويريدهما أن يكونا تحت ناظريه، حيث إنه وصف الأوضاع بأنها جعلتنا ” نترحم على أيام الأسد” وفق تعبيره.
اللصوص يستغلون اقتتال الفصائل
خلال الأيام الماضية توقفت الحركة المرورية بين كل من مدينة أريحا وإدلب، على خلفية الاشتباكات بين كبرى الفصائل “أم عبد الرحمن” تعمل في الريف الغربي لحلب، وتقيم في أريحا وفي كل يوم تذهب إلى عملها صباحاً، تعرّضت في 6 آذار لعملية نهب، خلال محاولتها البحث عن طريق بديل للوصول الى إدلب، فقدت فيها كل ما تملك إلا أوراقها الثبوتية”.
لم تكن “أم عبد الرحمن” وحيدة بل كان برفقتها ثلاثة شبان، رافقوها في الميكرو باص الذي حاول الالتفاف والوصول الى إدلب من طرق فرعية، على خلفية إغلاق الطريق الرئيسي.
تعرّضت ثلاثة محال تجارية للسرقة في نفس المنطقة، على خلفية إغلاق الطريق ذاته، حيث كان يمرّ من هذا الطريق يومياً الى إدلب قرابة 2000 شخص، ما بين مدني وعسكري، توضح أم عبد الرحمن أنها اضطرت للبحث عن عمل آخر في نفس مدينتها، لأنها لم تعد تشعر بالأمان على الإطلاق، وهي تربي طفلاً وتعيل زوجاً مصاباً وليست قادرة استيعاب سرقة ما لديها مرة أخرى”.
الاشتباكات الأخيرة أدت إلى إلغاء الحواجز ليلاً، الأمر الذي يعطي قطاع الطرق مزيدا ًمن حرية التنقل، حيث انتشرت عصابات مسلحة، تنشط في حالات القتال بين الفصائل، أعضاؤها على صلة مباشرة بالنظام السوري.
لم يعد الشارع السوري يثق بأي فصيل من فصائل المعارضة، وهناك تفكير جدي من قبل العديد من الشباب بالهجرة الى تركيا، على خلفية تعرّض مدنهم للسرقة ليلاً والقصف نهاراً، والأمر الذي يزيد من صعوبة العيش هو فرض بعض الفصائل سياسة الاعتقال ضد كل من ينتقدها.
التعليقات متوقفه