ضحايا فوضى العمل الإنساني في سوريا.. هكذا يريد الداعم – إبراهيم العلبي

الغربال – لا نذيع سراً إن قلنا إن العمل الإنساني في سوريا تشوبه العديد من الإشكاليات التي تمنعه من تحقيق هدفه في إيصال المساعدات إلى مستحقيها، وتقديم العون والإغاثة الضرورية لهم، وليس جديداً الحديث عن الفوضى التي تعتري هذا القطاع المهم من العمل العام، إلا أنه قد لا يكون معلوماً لكثير من الناس أن هذه الفوضى تؤدي بالضرورة إلى حرمان بعض وربما أكثر المستحقين من المساعدة، مقابل إغداق الأموال والمساعدات والمشاريع التنموية على الأقل استحقاقاً، وأيضاً غير المستحقين في بعض الأحيان.
الكارثة الإنسانية التي يعيشها السوريون، في كل مواطن إقامتهم، سواء في الداخل المحرر والآخر الخاضع لسيطرة العصابات والمليشيات الطائفية، أو في المخيمات، داخل الحدود وخارجها، وأخيراً في دول اللجوء المجاورة وأيضاً البعيدة، باتت أكثر تعقيداً من أي كارثة إنسانية مماثلة، في التاريخ الحديث، وتنوء بأعبائها عدة دول مجتمعة، فما بالك بمنظمات الإغاثة على محدودية مواردها !
انطلاقاً من ذلك، وتسليماً به، كان لا بد على المنخرطين في ميدان العمل الإنساني في سوريا، سوريين وغير سوريين، أن يعيدوا النظر في مشاريعهم ونشاطاتهم وطريقة إيصال المساعدات، والشرائح المستفيدة منها، وتلك التي حرمت منها لأسباب عديدة، وهي الأهم.
نحن هنا لا نتحدث عن المشاريع التنموية التي تعود بالنفع العام على أهالي منطقة أو حي أو قرية، كإنارة طريق أو حفر بئر أو بناء مدرسة أو بناء معمل وتشغيل العمال، وإن كانت هذه المشاريع أيضاً تحتاج أن يعاد ترتيب أولوياتها بدءاً من المناطق الأشد حاجة، وليس الأقرب إلى الحدود أو الأسهل في توثيق النشاطات.
في هذا المقال أركز بالتحديد على المساعدات التي يفترض أن تصل إلى الأشخاص، سواء كانت حاجاتهم طبية أو تعليمية أو غذائية أو حتى مادية، في هذه الدائرة بالتحديد نشاهد الكثير من التخبط والفوضى في التوزيع والانتقاء والبؤس في التنظيم والإدارة، ما يجعل الأكثر سؤالاً وطلباً – وليس الأكثر حاجة – هو الأكثر حصولاً على المساعدات، وهو ما يفوت الهدف الأسمى لهذا العمل الخيري والإنساني برمته.
لن نحجر على المنظمات الخيرية طلبها التوثيق وتركيزها عليه كي تتمكن من كسب ثقة الداعم الذي يريد أن يتأكد من وصول أمواله إلى المستحقين، بل هذا من صميم عملها، إلا أنها عندما تقوم هي بحجر وقصر أعمالها على ما يمكن توثيقه وفق سقف مرتفع من المعايير، جاعلة من ثقة الداعم محور عملها ومرتكز نشاطاتها والحدود التي لا تسمح لنفسها بتجاوزها، فعلينا هنا أن نصرخ عالياً في وجهها: يا جماعة الخير.. لم تفلحوا ولم يفلح الداعم في عمل الخير المنشود.
لا شك أن كل سوري يستطيع بسهولة أن يعدد في محيط معرفته داخل وخارج سوريا عشرات الحالات الإنسانية الفردية الحرجة، التي تحتاج مساعدات عاجلة، صحياً أو غذائياً أو تعليمياً، وأنا ممن عايش الكثير من هذه الحالات، التي لم يشملها خير المنظمات الخيرية، ولم تداوِ جراحها، والسبب في بعض هذه الحالات يعود إلى صعوبة وصول المنظمات بنفسها إليها، وبما أنها لا تريد أن يشاركها العمل الخيري أية لجان أو جمعيات محلية، ولو على سبيل الشراكة المعلنة، تجدها تفرّ من هذه الحالات فرارها من الطاعون، وبعض المنظمات الخيرية السورية الكبرى لا تجد غضاضة أن تعتبر بأن عملها الإنساني في بعض المحافظات أضعف بكثير من محافظات أخرى، لا لسبب سوى أنها لا تريد أن تعمل فيها إلا بمتطوعيها وموظفيها وليس عن طريق شركاء ميدانيين.
والسبب في البعض الآخر من الحالات أنها “حالات فردية”، رغم إمكانية التواصل المباشر بينها وبين المنظمات، وكذلك التوثيق الذي يهم الداعم، ولكونها حالات فردية يستصعب موظفو “العمل الإنساني” صياغة مشروع متكامل يشملها ويشمل أي حالات مستجدة، لأن هذا النوع من المشروعات لا يثير اهتمام الداعمين ولا يغريهم على التمويل، بعكس المشاريع المحدودة والمؤقتة والمؤطرة بإطار ضيق، حيث يمكن تسويقها للداعم كما هي من ألفها إلى يائها، وبالنتيجة، تصبح الحالات الفردية غير مرغوب بالتعامل معها من قبل المنظمات الإنسانية على جميع المستويات، رغم أنه ليس سراً أنها تمثل السواد الأعظم من المأساة السورية، وإذا ما كان بعضها يتم تغطيتها بجوانب أخرى من العمل الإنساني فإن الكثير منها يظل على الهامش ويفكر بصوت عال، متألماً ومشوشاً: يا لصوص.. أليست التبرعات التي تصلكم من حقي؟ لئن كانت حالتي هذه ليست مقصداً لعملكم الإنساني هذا.. ترى ما هو نوع الحالات التي تقصدونها؟ هل غير المستحقين الذي يستفيدون من مساعداتكم هو ما تبحثون عنه؟

التعليقات متوقفه