حصار “الفوعة وكفريا” لصالح من؟ – محمد الأسمر

الغربال – هل تحولت كفريا والفوعة من ورقة ضغط بيد الثوار إلى ورقة ضغط عليهم؟ ربما كان هذا السؤال الأكثر تداولاً اليوم بين عموم المدنيين في المناطق المحررة، في خضم الأحداث الدائرة على الساحة السورية، وفي ظل الغضب الشعبي العارم تجاه الفصائل التي تسمح ببقاءِ هاتينِ “المستعمرتين”.

كفريا والفوعة القريتان الوحيدتان اللتان ينتمي سكانهما للطائفة الشيعية في محافظة إدلب. ولطالما حاولت قوات الأسد استغلال أبنائهما في كبح جماح الثورة في المناطق المحيطة بهما.

عاش أهل الفوعة مع جيرانهم حياة طبيعية قبل اندلاع الثورة وتعددت حالات الزواج المتبادل بين أهالي “الفوعة” وأهالي “بنش” رغم الاختلاف الطائفي كما تعددت حالات التبادل التجاري بين الطرفين ولم يشعر يوماً أهل الفوعة أنهم أقلية مضهدة من قبل الأكثرية “السنية” التي تحيط بهم من كل جانب.

بعد اندلاع الثورة لم تتغير معاملة أهل بنش لجيرانهم بل على العكس عملوا على استمالتهم ليدحضوا أكاذيب النظام التي روجها عن طائفية الثورة.

وتعددت الشعارات التي أطلقها أهل بنش في سبيل إظهار وحدة البلدتين في مواجهة الأسد وأعوانه. مثل “بنش والفوعة إيد وحدة”، “لا للطائفية” و”لا للفتنة” ومن الهتافات الطريفة التي أطلقها اهل بنش في مظاهراتهم “لا للفتنة ولا التخريب كرمالك يا أبو أديب”، وأبو أديب في ذلك الوقت كان رئيس مخفر بنش وهو بالأصل من أهل الفوعة وكان معروفا بأخلاقه الطيبة.

توالت الأيام على هذا النحو إلى أن قررت قوات الأسد إفساد العلاقات بشكل كامل وبدأ دخول العناصر الأجنبية من ميليشيا حزب الله إلى الفوعة، حينها بدأت العلاقات بالتوتر بين الطرفين ووصل التوتر ذروته عندما قام أهل الفوعة باختطاف باص يحمل نساء وأطفال من “بنش”.

هنا اجتعمت الفصائل العسكرية في بنش وقررت اقتحام الفوعة إذا لم يتم الإفراج عن المختطفين وفعلا تم الإفراج عنهم بعد التهديد في ذلك اليوم.

تعددت حالات الخطف بعدها من قبل الطرفين وصار الخطف وسيلة ضغط لكل طرف على الآخر، وبلغ التوتر ذروته  في نهاية عام 2012 حين قام أهل الفوعة بقتل شاب من بنش، كان يعمل مزارعاً في أرضه بجوار الفوعة وهنا عمد أهل الشاب للأخذ بثأر ابنهم وقتلوا رجلاً من الفوعة وكانت هذه الحادثة هي النهاية للعلاقة الطويلة بين البلدتين.

في تلك الأثناء استغل أهل كفريا والفوعة وجود الجيش في إدلب المدينة فأقاموا حواجز خاصة بهم، بهدف احتجاز أكبر عدد ممكن من المدنيين للدخول بمفاوضات طويلة مع الثوار، في سبيل تخليص أسراهم، وليبقى هؤلاء الرهائن كورقة ضغط رابحة بيدهم للأيام القادمة.

بدأت بعد ذلك مدن وقرى إدلب بالدخول تحت سيطرة الثوار إلى أن تمكن الثوار من السيطرة على المحافظة بشكل كامل في آذار 2015، يومها دخلت كفريا والفوعة الحصار بشكل رسمي.

بعد الحصار بأيام قرر الثوار اقتحام القريتين بهدف السيطرة عليهم لكن شراسة المقاومة من أصحاب الأرض  والدعم اللوجستي والعسكري المقدم من الطيران الحربي حالا بين الثوار وبين تحرير القريتين.

هنا اتخذ الثوار قراراً بتوفير جهودهم والإبقاء على بلدتي كفريا والفوعة كورقة ضغط على قوات الأسد، في محاولة من الثوار لتخفيف الضغط على المناطق المحاصرة من قبل الميليشيات الطائفية، وفعلاً كان ذلك وتمكن الثوار من إيقاف الهجوم على مدينة “الزبداني” من خلال توقيع اتفاقية وقف إطلاق نار في بلدات “كفريا والفوعة والزبداني” برعاية الأمم المتحدة، حينها كانت ميليشيا حزب الله قاب قوسين من اقتحام مدينة الزبداني.

بعد هذه الاتفاقية التي استمرت أكثر من ستة أشهر عمدت قوات الأسد لاستغلال هاتين القريتين في كل معركة تنشب بينهم وبين الثوار، فكانت قوات الأسد سرعان ما تعرض إخراج جرحى أو مدنيين من إحدى المناطق المحاصرة مقابل قيام الثوار بإخراج بعض الجرحى والنساء من كفريا والفوعة “المحاصرتين” مجازاً. لكن واقع الحال كان يتحدث بخلاف ذلك، فقد عاشت البلدتان حياة طبيعية لا تختلف كثيراً عن حياة باقي بلدات الشمال المحرر، من خلال اعتمادهم على المساعدات التي يلقيها طيران “اليوشن” على البلدتين من جهة وعن طريق التعامل مع مهربين من جهة أخرى، هؤلاء المهربين عمدوا في بعض الأحيان للقيام بعملياتِ اغتيالٍ ضدّ الثوار في سبيل إيصال المواد التي يحملونها لداخل البلدتين كما لقي العديد منهم حتفه أثناء قيامه بهذه المهمة.

مع تقدم الوقت ومع تراجع الثوار في أكثر من منطقة تحولت كفريا والفوعة لورقة رابحة تستعملها قوات الأسد للضغط على الثوار متى شاءت. فكان لهما من كل اتفاقية نصيب، ولعل ما حدث في حلب من عرقلة سير المفاوضات خير شاهد على ذلك فقد عمدت قوات الأسد إلى إخراج أكثر من ألف حالة إنسانية من البلدتين مقابل خروج أهل حلب، وبهذا نقضت الاتفاقية الأولى التي أبرمها الروس والأتراك والتي اقتضت خروج أهل حلب من المدينة دون قيد أو شرط.

وقد تتكرر مثل هذه الحوادث مستقبلاً بشكلٍ أو بآخرْ في ظلِّ عجزِ الثوار عن اقتحامِ القريتينِ لأسبابَ عدة، ولعل أبرزها أن المدافعين عن المنطقة هم من أبناء الأرض ودفاعهم مسألة مصيرية فيها وجود أو لا وجود في ظل انعدام أي مخرج للانسحاب إلى مكان آخر، ناهيك عن الدعم المقدم لهم من قبل إيران الحليف “الطائفي”، فقد عمدت إيران لعمليات إنزال جوي عديدة في البلدتين عن طريق طائرات “اليوشن”، قدمت إيران من خلال هذه العمليات الكثير من المقاتلين والمعونة العسكرية والذخائر بمختلف أنواعها.

وتجنباً لما حدث في المرات الماضية ينبغي على الثوار تغيير استراتيجيتهم في التعامل مع هذا الموقف من خلال خطوات عدة قد يكون أبرزها الإعلان عن عفو عام يشمل أهالي البلدتين ممن لم يشتركون بالعمليات العسكرية، وبهذا تسقط تهمة الطائفية عن الثوار، كما ينبغي تأييد هذا العفو بالسماح للأطفال والنساء بالخروج من الحصار، لأن خروج الأطفال والنساء سيشكل عامل ضغط نفسي على المقاتلين في الداخل وسيميل الكثير منهم لترك سلاحه واللحاق بعائلته.

كما أن تحييد النساء والأطفال عن المعركة سيظهر الثوار بالوجه الإنساني الحقيقي للثورة.

هذه الخطوات ستساهم في تقليل عدد المدافعين إلى النصف تقريبا وستترك المقاتلين منهم أمام خيارين إثنين إما الاستسلام لشروط الثوار أو القتال في ظل ظروف صعبة جدا.

التعليقات متوقفه