تمثيل الشعب أم التمثيل عليه؟ – رامي سويد

دخل الصراع في سوريا مرحلة جديدة بعد سقوط مدينة حلب كاملة بيد النظام السوري، على إثر اتفاق إخلاء رعته روسيا وتركيا قبل نهاية العام الماضي، أفضى إلى إخلاء المقاتلين والمدنيين من الأحياء الشرقية بحلب، التي كانت قد سقطت تحت حصار قوات النظام بعد حملة قصف جوي كثيفة شنتها روسيا، دعمت من خلالها قوات النظام ومليشيات إيران، لتحقق تقدم بري كبير انتهى إلى حسم المعركة لصالح النظام وحلفائه.

ومنذ سقوط حلب، وجدت المعارضة السورية نفسها عارية تماماً أمام الهجوم الروسي الإيراني، بدون أي غطاء إقليمي أو دولي، خصوصاً مع فوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة، وهو الذي لم يخفي أبداً بغضه للعرب والمسلمين، فكيف الحال إذا كان الطابع الإسلامي يغلب على جميع تيارات المعارضة السورية!

وفي ظل هذه الأجواء التي خيمت فيها هزيمة حلب العسكرية، والتخلي غير المعلن لحلفاء المعارضة السورية عنها، ذهبت مجموعة من ممثلي الفصائل إلى عاصمة كازخستان، أستانة، لحضور اجتماع، حضرته وفود من روسيا وتركيا وإيران بالإضافة لوفد النظام السوري أيضاً، ليخرج الاجتماع كأغلب ما سبقه بـ”صفر” من النتائج، ويخرج بعدها المسؤولون الروس ليبرروا فشل اجتماع أستانة بتقديم أي جديد بأن ذلك مرجعه إلى أن الاجتماع كان مخصصاً أصلا لبحث آليات مراقبة وتثبيت “وقف إطلاق النار”.

من المعلوم طبعاً أن وقف إطلاق النار المطبق في سوريا منذ سقوط حلب هو في الواقع وقف إطلاق نار بتفصيل روسيا، التي قررت مع بدايته استثناء منطقة وادي بردى منه، وهي المنطقة التي سقطت لاحقاً بيد قوات النظام، كما قررت أيضا استناء الغوطة الشرقية منه، وهي منطقة مازالت تتعرض لهجوم النظام بدعم طيران روسيا ومليشيات إيران، ويُنتظر أن توقع الفصائل فيها اتفاق استسلام وانسحاب إلى إدلب كما فعلت سابقا في داريا وحلب ووادي بردى وغيرها.

بالتوازي مع هذا المشهد العسكري الكارثي بالنسبة للمعارضة، دفع الروس ببالون إعلامي كبير إلى المشهد السياسي السوري الشهر الماضي، تجسد بما سمي بـ”مسودة دستور لسوريا”، والواقع أن هذه “المسودة” لا تعدو أن تكون مجموعة ملاحظات كتبت على عجل بدون أي دراسة أو اهتمام وإنما فقط بهدف اقناع المعارضة السورية الممزقة والتائهة بأن روسيا تطبخ حلاً في سوريا، لتوصل روسيا رسالة للمعارضة تقول: “يجب عليكم الإسراع إلى المشاركة في الطبخة قبل أن تخرجوا من الحفلة بخفي حنين”، هذا كان بالضبط الباب الذي أدخلت منه روسيا المعارضة السورية في المتاهة التي يبدو أنها ستضيع فيها للأبد!

ذلك أن رجال المعارضة السورية من السياسيين تخبطوا منذ دخولهم دوامة “الحل الروسي” في سجالات حول الوفد الذي يجب أن يذهب للمفاوضات، ومن يجب أن يكون في الوفد ومن يجب ألا يكون، حيث طرحت موسكو مراراً موالين للأسد على أنهم معارضون يجب أن يحضروا المفاوضات داخل وفد المعارضة، لتزيد بذلك من تشرذم المعارضة وترفع من مستوى المهاترات في صفوفها، وفوجه معارضون إلى موسكو، واجتمع آخرون في الرياض وبيروت وغيرها، وأصبح تشكيل وفد المعارضة الذي سيذهب لجولة جنيف الجديدة محور تغطية الملف السوري في وسائل الإعلام.

الأسوأ من ذلك أن هدف رجال المعارضة بات في الواقع “الانخراط في الوفد”، حيث تدافعوا على حيازة “حق التمثيل”، وعقدوا فيما بينهم “جلسات مفاوضات” استمرت أياماً في انقرة والرياض وغيرها حول من يجب أن يذهب إلى جنيف أو أستانة.

وهنا يحق لكل متابع سوري أن يسأل: ما هو “حق التمثيل” الذي يتنافس رجال المعارضة على حيازته؟ وما هو المشروع السياسي الذي يملكه كل من رجال المعارضة؟ وما هي رؤية كل منهم لمستقبل سوريا القريب والبعيد؟ وما هي الأوراق التي يملكها كل منهم ليطرحها على طاولة المفاوضات مع النظام؟ بل ما هي المقومات التي تمكنه أصلاً من الادعاء أنه “مفاوض”؟ وعلى ماذا يمكن أن يفاوض؟ هل سيفاوض على مصير المعتقلين أم أنه سيطالب بفك الحصار عما تبقى من مناطق محاصرة؟ وماذا سيفعل هذا “المفاوض” حين يمتنع النظام عن تقديم أي تنازل على طاولة المفاوضات؟ هل سينسحب من جولة جنيف في شباط 2017 كما انسحب رفاقه من جولة جنيف التي عقدت بنيسان 2016 ليقوم النظام وحلفاؤه الروس بعدها بإطباق الحصار على حلب والسيطرة عليها بينما كان “رجال المعارضة” يواصلون اجتماعاتهم لإصدار بيانات التنديد ولاختيار مفاوضين جدد!

التعليقات متوقفه