ظاهرة تسوّل الأطفال.. حاجة أم مصدر رزق إضافي؟ – نادين مكربل
طغت في الآونة الأخيرة ظاهرة انتشار الأطفال السوريين المتسوّلين في الشوارع التركية، وتعدّدت الأسباب التي دعت هؤلاء الأطفال لمثل هذا العمل، حيث أن معظم العائلات السورية التي نزحت إلى تركيا كانت في وضع اقتصادي صعب للغاية، ما دفع العديد منها إلى الزج بأطفالها بالشارع في محاولة لاستغلال التعاطف في الشارع التركي مع الشعب السوري.
البداية تكون حاجة
أحياء وشوارع مدينتي غازي عنتاب وإسطنبول تعج بالأطفال الذين يحملون أكياسا تحوي علب المناديل، لباسهم يدل على الفقر والحاجة، وأعمارهم لا تتجاوز سن 12 عاماً، يبيعون العلبة بنصف ليرة تركية، لكن معظم من يشتري منهم يعطيهم أكثر من ذلك من باب الشفقة والعطف كونهم سوريون لاجئون.
وبعد تتبع العديد من الحالات تبين أنّ البعض يعانون من سوء الأوضاع المادية، وآخرون أيتام فقدوا أهاليهم في الحرب.
أبو هاني مرعش، هو أحد الشبان السوريين الذين تعتمد عليهم الشرطة التركية في البحث والتحري عن هذه الحالات، يقول لـ”الغربال” إن “هناك عائلات تعيش في مكان غير لائق على الإطلاق، وقد زرتهم مع الشرطة التركية، وسألتهم عن أسباب إرسال أطفالهم إلى الشوارع بدل أن يرسلوهم إلى المدارس، معظم الإجابات أكّدت أن الحاجة هي السبب”.
ويضيف “جزء كبير من هذه العائلات هم فعلاً في حاجة ماسة إلى النقود، فهم لا يتلقون أي عقوبة من رجال الشرطة، الذين ينصحونهم بالذهاب إلى الجمعيات والمنظمات الإنسانية، بينما نجد عائلات يكون فيها الوالد مصاباً أو عاجزاً عن العمل، وعدد كبير ممن نزورهم، أطفال أيتام”.
التعاطف مع الأطفال يدفع الناس إلى مساعدتهم
شهد (11 عاماً) هي طفلة من حي صلاح الدين في حلب، تقف أمام إحدى العيادات السورية النسائية في مدينة غازي عنتاب، وتبيع علب المناديل والعلكة، تقول لـ”الغربال” أنها “يتيمة”، وتتابع “أبيع المناديل فقط في يومي السبت والأحد حيث لا يكون عندي دوام في المدرسة”، والملفت أنها تحمل حقيبة مدرسية على ظهرها، فيها دفاتر وكتب، وتختلي للدراسة في إحدى الحدائق المجاورة عندما تنتهي من بيع المناديل، وهي تجمع نحو 100 ليرة تركية خلال عملها يومي السبت والأحد.
تضيف شهد قائلة: “أنا لا أخجل من هذا العمل فالعمل عبادة، والناس يتعاطفون معي بشكل كبير، كثيرون يعطون ثمن علبة المناديل دون أن يأخذوها، ومنهم من يشتري لي الطعام، أو اللباس، وأحدهم أوصلني بسيارته إلى منزلي وأعطى والدتي 200 ليرة تركية”.
التسول يتحول إلى مهنة لاحقاً
في بداية الأمر تدفع الحاجة الأهل لإرسال أولادهم إلى الشوارع، لكن التعاطف الذي حصل عليه هؤلاء، دفع بآخرين إلى الشارع وتحولت هذه الظاهرة إلى مهنة، حتى بات العديد منهم يتعمد استخدام ملابس قديمة بالية.
السوريون في تركيا يدركون أن هذه الظاهرة لم تعد في نطاق الحاجة وإنما أصبحت مهنة، لذلك لم يعد أحد يهتم بهؤلاء الأطفال.
يوضح “أبو هاني” لـ”الغربال” إنه “تبين لنا من خلال الزيارات التي قمنا بها إلى منازل أهالي الأطفال المتسولين، برفقة الشرطة التركية، أنّ بعض العائلات اتّخذت من التسول مصدراً للرزق، حيث يبقى الأب في منزله بدون عمل، بينما يرسل أطفاله إلى الشوارع ليعودوا كل يوم بغلة تغطي مصروف المنزل”.
ويتابع قائلاً “ألقت الشرطة القبض على العديد من هؤلاء الآباء وزجتهم في السجون، لردعهم عن مثل هذه التصرفات، بينما أعطت آخرين مهلة للبحث عن عمل، وأرسلت بيانات عائلات أخرى للجمعيات والمنظمات الإنسانية، لتوفير احتياجاتها”.
تقصير المنظمات السورية في متابعة العائلات المحتاجة في تركيا
قامت منظمات المجتمع المدني السورية في بلدان اللجوء بإطلاق برامج خاصة تعلم الأطفال واليافعين مصادر كسب العيش من خلال التدريب المهني، وأطلقت على هذه البرامج اسم “تحسين سبل العيش” لا سيما في تركيا، التي أطلقت حكومتها برامج حكومية خاصة تدعم الأطفال المتأثرين بالحرب وآخرها افتتاح قرية خاصة للأطفال في مدينة الريحانية، كما شهد العام الحالي افتتاح العديد من دور الأيتام.
والملاحظ أنّ المنظمات السورية الموجودة بتركيا غائبة عن متابعة مثل هذه الحالات، لأسباب عديدة منها غياب الصلاحيات وقلة الإمكانيات.
يقول أبو إبراهيم المتطوّع في جمعية “عطاء” لـ”الغربال” إن “نعمل جاهدين على متابعة العائلات الفقيرة في تركيا، لكن يوجد عوائق كثيرة، منها غياب الصلاحيات، فالجمعيات السورية مرخصة في تركيا كمراكز لجلب المساعدات الإنسانية، ولا صلاحيات لها بمتابعة أمور الفقراء على الأراضي التركية”.
كما يضيف “نعمل على نطاق ضيق في متابعة الأطفال المتسولين ونقدم لهم بعض المساعدات، لأننا مساعداتنا مخصصة أساساً للمحتاجين في الداخل السوري”، لافتاً “لكنّنا لا نستطيع منع الأطفال من التسول، لأننا مقيدون بقانون الدولة التركية، ونجحنا مؤخراً في منع العديد من الأطفال من التسول، بعد أن تواصلنا مع داعمين، يكفلون هذه العائلات المحتاجة”.
مبادرات فردية للحد من هذه الظاهرة
في ظل تفشي هذه الظاهرة، وجد شبان سوريون أنفسهم أمام مسؤولية كبيرة تجاه هؤلاء الأطفال، الذين يعطون صورة سيئة عن الشعب السوري، وقد يتعرضون للضرب والإهانة والاستغلال الجنسي، فأطلقوا مبادرة في مدينة أنطاكيا التركية لإيجاد بعض الحلول.
يقول مصطفى الإبراهيم وهو أحد القائمين على المبادرة لـ”الغربال”: “مبادرتنا لا تحمل أي اسم، ويقوم عليها شباب سوريون متطوعون، من أجل الحفاظ سمعة السوريين في تركيا، وإنقاذ الأطفال المتسولين من المخاطر والمستقبل المجهول”.
يضيف “الإبراهيم” موضحاً “قمنا بتوثيق العائلات التي ترسل أطفالها للتسول في بعض أحياء أنطاكيا، وبحثنا في هذه الحالات من حيث الحاجة وعدمها، كما تواصلنا مع داعمين لرعاية العائلات المحتاجة، عسى أن تُعمم هذه الحالة على المحافظات التي فيها وجود سوري”.
التعليقات متوقفه