تبعات مأساوية لتنامي ظاهرة البطالة في إدلب وريفها ــ سونيا العلي

لا يخفى على أحد واقع الانتشار الواسع لظاهرة البطالة في سوريا حتى أن هذه الظاهرة تحولت في الآونة الأخيرة لوباء مستشري ينخر المجتمع وخاصة في إدلب التي يعاني أهلها حالة من الجمود والركود بسبب الظروف الصعبة الناتجة عن الفوضى واستمرار القصف، هذه الظروف تؤدي إلى التأخر بسير جميع سبل الحياة فتظهر مشكلة البطالة التي وصلت نسبتها لمستويات قياسية في الفترة الأخيرة.

طالت البطالة الجميع حتى حملة الشهادات الجامعية في المناطق الأكثر اشتعالا ًبالثورة وذلك بعد خروج عدد كبير من المشافي والمدارس والمعامل عن الخدمة بسبب قصف طائرات النظام لها، وتظهر أخطار البطالة من كونها نار تشعل فتيل الجريمة والسرقة في المجتمع لأن انتشار الفقر وقلة العمل هما الدافع الأول للإنسان لكي يكسب من طرق غير مشروعة مما يرمي به في مهاوي الأخطاء ومن ثم المتاعب.

دفع كل ذلك الشباب ممن لا يستطيعون الحصول على لقمة العيش للهجرة إلى خارج البلاد باحثين عن عمل يؤمن قوتهم ومتحدين مغامرات الموت، من هؤلاء كان الشاب حسين الناصر (28عاماً) من معرة النعمان حيث تتحدث والدته بكثير من الحزن قائلة: “تخرج ولدي من كلية الهندسة عام 2010 وحاول إيجاد عمل كونه المعيل لأخواته الستة، لكنه فشل في ذلك وكانت معاناتنا تكبر وتزداد حياتنا صعوبة كل يوم، لذلك سافر حسين إلى إحدى الدول الأوربية عبر البحر متحدياً كل الصعوبات، وأخيراً وجد عملاً في إحدى شركات البناء هناك”.

الشاب حسين هو واحد من آلاف الشباب الذين لم يجدوا عملاً بسبب تخلي النظام عن الالتزام بتوظيف الخريجين وتطبيق شروط توظيف صعبة بالإضافة إلى قيام النظام بتسريح وفصل عدد كبير من العمال تحت ذرائع كثيرة أهمها التعاطف مع الثورة، عمر كشتو (30عاماً) من قرية تلمنس كان يعمل موظفاً بمؤسسة المياه في محافظة إدلب قبل أن يجد اسمه بين قائمة المفصولين، يقول عمر للغربال: ” كنت أجد في الراتب نعمة تغنيني عن الحاجة وتسد بعضاً من احتياجاتنا الكثيرة، ولكني اليوم أواجه مشكلة البطالة وأعيش عاطلاً عن العمل وأمام ما تعيشه البلاد من غلاء وانهيار اقتصادي يجب على رب الأسرة أن يعمل ليل نهار ليؤمن متطلبات الحياة الأساسية لأسرته”.
ساعد في انتشار البطالة أيضاً هجرة أصحاب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد وبالتالي انعدام المشاريع التي تحتاج إلى اليد العاملة وتسهم في تأمين العمل والتخلص من انتشار الفقر وأضراره التي تؤثر في السلوكيات الاجتماعية وتساعد في انتشار الظواهر السلبية مثل تعاطي المخدرات والفساد الأخلاقي وتدهور الحالة النفسية للشباب.

كانت ظاهرة البطالة أكثر قسوة على النساء بعد الثورة لأن معظم أصحاب الأعمال يفضلون توظيف الرجال أكثر من النساء بسبب أوضاع مناطق ريف إدلب الحالية، ولا يخفى أن بطالة الإناث ذات أضرار كبيرة فهي تحبط المرأة وتحد من رغبتها في المشاركة الاجتماعية، فكيف يكون حال المرأة التي فقدت زوجها وأصبح على عاتقها مسؤولية الإنفاق على أسرتها؟

أم وليد من قرية حاس في ريف إدلب هي أرملة شهيد ولديها خمسة أبناء تعاني من البطالة وتعبر عن معاناتها بقولها: “الرجال في هذه الأيام لا يجدون عملاً فكيف بامرأة ضعيفة لا تقوى على شيء؟ أعيش مع أولادي على ما يقدم لنا من مساعدات إنسانية تغطي القليل من احتياجاتنا”.

كما أن بطالة رب الأسرة والبالغين فيها نتج عنه ظهور عمالة الأطفال، وقد تفاقمت هذه الظاهرة واتسعت وتشكل الإناث نسبة كبيرة من ضحاياها، حيث يتسرب الأطفال من المدارس ويتجهون نحو أسواق العمل بسبب تدني مستوى المعيشة والدخل للأسرة وتنعكس عمالة الأطفال بشكل عام في زيادة معدلات البطالة بين البالغين وخاصة في الأعمال والصناعات والحرف التي لا تتطلب تأهيلاً محدداً أو جهداً خاصاً من قبل العامل، فأرباب العمل يفضلون تشغيل الأطفال بسبب أجورهم المنخفضة قياساً بأجور البالغين.

الفقر هو الذي جعل الطفل أمجد البكري (14عاماً) من قرية تلمنس في ريف إدلب يترك مقاعد الدراسة ويتجه نحو العمل في ورشة لتصليح الدراجات النارية وهو يعبر عن معاناته بقوله: “أصبحت معيلاً لأسرتي بعد تعرض والدي لإصابة حربية جعلته مشلولاً على كرسي متحرك لذلك تركت المدرسة ووقفت الحاجة في طريق تحقيق أحلامي وما أحصل عليه من مال يومياً بالكاد يساعدني وأسرتي على تحمل نفقات الحياة اليومية”.

ويعد الفقر من مرافقات البطالة وترتفع نسبته في المناطق الساخنة وتضم محافظة إدلب أعلى نسبة للفقر الشديد بين المحافظات السورية مما يعكس معاناة أغلب الأسر للحصول على الحد الأدنى من السلع الأساسية اللازمة من أجل البقاء كما أدى ارتفاع حدة العمليات العسكرية إلى زيادة في الأسعار وندرة في السلع الأساسية وعلى الرغم من وجود أطراف متعددة تقدم المساعدات الإنسانية التي ساعدت في التخفيف من سوء الوضع ووفرت طوق النجاة لكثير من الأسر الفقيرة إلا أن نطاق هذه المساعدات تظل أقل بكثير من احتياجات الناس الذين يعيشون في قلب هذا الوضع الكارثي.

ويعتبر انفصال الأرياف عن المدن في سورية من أحد أسباب تفشي البطالة حيث يخضع الريف لسيطرة المعارضة بينما المدن لسيطرة النظام وهما متكاملان في مجال العمل ويحد ذلك من تنقل الأشخاص بحرية بين هذا وذاك، ويفرض النظام في مناطق سيطرته سياسته الاستبدادية ويمارس القهر والظلم والاعتقالات التعسفية على الشباب مما يجعلهم ينزحون وبالتالي يجدون صعوبة في الحصول على فرص عمل في مناطق النزوح، الشاب نادر الحسن من محافظة حماه ترك منزله وقصد مدينة معرة النعمان بعد أن طلبه النظام للخدمة العسكرية يتحدث عن ذلك قائلاً: “أن تخدم بين صفوف النظام فذلك يعني أن تكون قاتلاً، لذا فضلت النزوح إلى مناطق سيطرة المعارضة رغم أن حياتي انقلبت رأساً على عقب فقد فقدت عملي في شركة خاصة لصناعة البلاستيك وأجد صعوبة في إيجاد عمل آخر”.

تعد النسبة التي وصلت إليها البطالة بعد الثورة مرتفعة جداً وخطيرة لأنها مولد المخاطر الاجتماعية والاقتصادية، فغير العاطلين عن العمل يعانون في ظل الظروف الراهنة من صعوبة تأمين مستلزمات معيشتهم مع ارتفاع الأسعار الكبير في الأسواق لذلك من المهم جداً إيجاد الحلول الناجعة والسريعة التي من شأنها أن تخفض نسب البطالة لأن اليد العاملة هي التي تحرك الإنتاج وبالتالي تحرك الأسواق والقدرة الشرائية.

ستظل البطالة خطر كبير يهدد جيل الشباب في سوريا، ويمكن المحافظة على الطاقات الشبابية وثني الشباب عن الهجرة من خلال تأمين فرص العمل لهم ويجب على المنظمات الإنسانية أن تتخذ دورها في تشغيل الطاقات العاطلة من خلال التوسع في برامج التدريب على المهن اليدوية التي تعتمد على الكفاءة الشخصية وتحتاج قدر بسيط من رأس المال، ومن خلال النهوض بالخدمات الصحية والتعليمية بالإضافة إلى دعم الزراعة وخاصة السلع الاستراتيجية اللازمة للعيش اليومي وتبني المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ومنح قروض للعاطلين عن العمل وذلك بضمانات معينة  حيث يقدم كل عاطل عن العمل فكرة لمشروعه الصغير ومدى جدواه وتعمل المنظمات على تطوير فكرته ودعمها في حال كانت مناسبة وإيجاد البديل المناسب له في حال كانت غير ذلك وبذلك يتم توظيف وتحريك لعجلة الإنتاج، حتى يؤمن الشاب السوري قوته وتعود العزة والكرامة إلى نفسه ويجد عملاً يكمل به حياته التي ضاقت عليه.

التعليقات متوقفه