السوريون في تركيا بحالة عزلة وحواجز تحول دون الاندماج ــ وعد أطلي

باتت تركيا الحاضن الأكبر للاجئين السوريين، حيث قارب عدد السوريين فيها بحسب بيانات الحكومة الثلاثة ملايين، يعيش عدد قليل منهم، لا يتجاوز مئتي ألف، في مخيمات قريبة من الحدود السورية، فيما ينتشر الباقون في جميع المدن التركية، إلا أن أغلب هؤلاء ما يزالون يعيشون ضمن مجتمعات صغيرة بصورة منعزلة عن المجتمع التركي بالرغم من تجاوز مدة إقامة الكثير منهم ثلاث سنوات.

تركز معظم السوريين في أحياء معينة داخل المدن التركية، استأجروا فيها بيوتاً وفتحوا محلات تجارية ونشاطات حرفية، دون أن ينصهروا بالمجتمع التركي.

لا يجد السوريون في العموم صعوبة بالغة في تقبل الثقافة والعادات الاجتماعية التركية كونها مشابهة لعادات السوريين وثقافتهم، إلا أن غياب البرامج الحكومية لتعليم اللغة التركية ومساعدة السوريين في إيجاد عمل، بالإضافة لغموض الوضع القانوني لمعظم السوريين في تركيا، حد من إمكانية اندماج السوريين في المجتمع التركي.

يعتقد محمد، وهو شاب سوري كان يدرس الأدب الفرنسي بينما يعمل الآن في مصنع للسجاد بمدينة غازي عنتاب التركية، أن “وجود السوريين في تركيا مؤقت، وهم سيعودون إلى سوريا”، يقول محمد “أتكلم اللغة التركية وأفهمها، لقد تعلمتها مجبراً خلال عملي مع الأتراك، لكني لا اسعى للاندماج بالمجتمع التركي، كل ما أريده هو العودة الى سوريا، أدعو الله يومياً أن يعجل بذلك”.

ويفسر محمد تفضيله السكن في حي يتركز فيه السوريون بقوله “البيوت هنا أرخص إضافة إلى أن غالبية السكان من السوريين، لن يسألني أحد لماذا أسهر لوقت متأخر، ولن يشتكي الجوار من الأصوات وكثرة الضيوف كما يفعل الأتراك في مناطق أخرى”.

أدى تفضيل السوريين السكن قرب بعضهم البعض لنشوء مجتمع خاص بالسوريين داخل المدن التركية، حيث باتت هناك أسواق ومقاهي روادها سوريون، في الوقت الذي يمتنع فيه معظم السوريين عن ارتياد الأسواق والمقاهي التركية إلا نادراً.

لم يكن اختلاف اللغة العائق الرئيس الذي منع اندماج السوريين بالمجتمع التركي بحسب سميرة التي تدرس الحقوق في جامعة غازي عنتاب، تقول سميرة موضحة “الشرخ بين السوريين اللاجئين والأتراك المواطنين سببه الرئيس هو الوضع القانوني المتأرجح للسوريين، وظن معظم السوريين أن المواطن التركي ينظر لهم بعين الشفقة والدونية”.

تسترسل سميرة بالشرح فتقول “ظاهرة عدم الاندماج واضحة في الجامعة، حيث يجلس السوريين والأتراك في مجموعات منفصلة في حدائق الجامعة، ويقوم الطلاب السوريون بحجز أماكن لأصدقائهم، بحيث يشكلون كتلة واحدة داخل القاعات الدراسية دون أن يختلطوا بالطلاب الأتراك”.

تشير سميرة إلى أن الطلاب السوريين لا يتقبلون محاولات بعض الأتراك التقرب منهم، موضحة بالقول “إنهم (الأتراك) يحبون مساعدتنا ويحاولون ذلك دائماً، لكن ذلك يأتي من باب الشفقة وأحيانا يشعروننا بالدونية، كما أنه لدى بعضهم أسباب عرقية، فأنا كردية من سوريا لذا يتقرب مني بعض الأكراد الأتراك العنصريين غالباً”.

تعتقد سميرة أن سكان غازي عنتاب ليسوا اجتماعيين فيما بينهم، وتستشهد بحالة امرأة عجوز في حي “أونالديه” الذي تسكنه، تقول سميرة “في حارتنا تعيش امرأة عجوز بمفردها، لا تجد من يطرق بابها أو يجالسها من سكان الحي، لا وقت لديهم لذلك، فهم في سعي دائم وراء العمل”.

لا ينطبق هذا الوضع على كافة المحافظات التركية، فالتقارب بين السوريين والأتراك يبدو أكبر في مدينة قيصري الواقعة في وسط تركيا بحسب أم مريم (64 عاماً) وهي التي وصلت حديثاً إلى غازي عنتاب من مدينة قيصري، تقول أم مريم “بقيت في قيصري عامين كاملين لم أشعر خلالهما بالغربة، الناس هنالك بسيطون وطيبون، أصحاب البيوت يعتبرون المستأجر جزءاً من عائلتهم، كنا نتحدث بالإشارة أحيانا، إضافة إلى أننا علمنا بعضهم اللغة العربية وتعلمنا منهم التركية”.

لا تحب أم مريم حياتها الجديدة في غازي عنتاب بسبب شعورها بالغربة والانعزال، حيث تقول “أراهم من شرفة منزلي يتبادلون الزيارات، لكنهم لا يريدون الاختلاط بنا، حتى أن أطفالهم يضيقون على أحفادي حين يلعبون في الحديقة أو الشارع”.

وبالرغم من حالة عدم الاندماج التي تشكل الصورة العامة بين السوريين والأتراك في تركيا فقد حصلت بعض حالات الزواج المختلط بين الطرفين، علا شابة سورية في العشرينيات من عمرها تزوجت مؤخراً من الشاب التركي أحمد بعد علاقة حب استمرت لثلاثة أشهر، تقول علا “تعرفت على أحمد في مكان عملي سابقاً وتزوجنا بعد ثلاثة أشهر، مضى الآن على زواجنا سنة ونصف، ولدينا طفل الآن وأنا سعيدة جداً بالحياة معه ومع أسرته الطيبة”.

إلا أن تجربة الزواج من شاب تركي لم ناجحة بالنسبة لمها، التي شجعتها تجربة الزواج السعيدة لقريبتها علا على الزواج بشاب تركي، تقول مها “كانت علا سعيدة بحياتها مع زوجها التركي، فوافقت على أول شاب تركي تقدم لخطبتي، لم أكن محظوظة مثلها، فأنا الآن اشعر وكأنني خادمة في منزل عائلته، لا اعتقد أن شابة تركية يمكن أن تقبل بهذه الحياة، لكني لاجئة سورية ولا يوجد قانون يحميني في هذه البلاد”.

في الجهة المقابلة يسعى بعض الأتراك إلى مساعدة السوريين وتشجيعهم على الاندماج، بيركاي شاب تركي يملك محل لبيع الغاز وعبوات المياه، ويملك أيضاً مزرعة في ريف مدينة غازي عنتاب، قام بإسكان عائلة سورية فيها، يحاول بيركاي تأمين احتياجات تلك العائلة و أي عائلة سورية يصادفها.

يقول بيركاي “لا أرى اختلافاً بين السوريين والأتراك، في الجانبين ترى الجيد والسيء، وقد تجد من جعلتهم ظروفهم يبدون سيئين، إلا أن الواجب الإنساني تجاه إخوتنا السوريين يقتضي أن نقدم لهم ما أمكننا من مساعدة، وهذا ما أسعى اليه”.

ينتقد بيركاي بعض أرباب العمل الأتراك الذين يستغلون أوضاع السوريين وعدم وجود قانون واضح ينظم عملهم، ويعتقد أن ذلك يوسع الفجوة بين السوريين والأتراك، “إضافة إلى حاجز اختلاف اللغة طبعاً” بحسب بيركاي.

التعليقات متوقفه