تفجيرات جبلة وطرطوس “استثمار جديد” لمستثمرين كثر – عيسى إبراهيم

عدم دخول مناطق الساحل السوري خلال الفترة الماضية تم بموجب توافق دولي ، مُنعت بموجبه الفصائل العسكرية التي يتحكم بها بالمآل الجهة المانحة للمال اللازم في أي عمل ، مُنعت من الدخول رغم أن بعضها يظن بأن القضاء على السلطة غير الشرعية يتم هناك وليس بدخول القصر في دمشق .

طبعا كان توافق القوى الفاعلة حول ذلك، أي منع الفصائل من دخول الساحل، كان نتيجة اعتبارات لوجستية في الحرب، ليس بينها البتة المفاهيم المتعلقة بحماية المدنيين أو الأقليات خاصة العلويين، “بالمناسبة العلويون لا يشكلون أغلبية بالساحل”، الاعتبارات اللوجستية تلك تقتضي في سوريا إبقاء مناطق منها آمنة لتفعيل الحرب وإعادة التحكم بخارطتها مع الوقت وعند الحاجة، حتى ما جرى من خروقات يسميها كل جانب “تحريراً” كانت تتم بـ”ريموت كنترول” القوى الدولية الفاعلة حتى جانب السلطة يخضع لهذا “الريموت كونترول” من القوى الإقليمية أو الدولية التي استحوذت عليه كلياً.

في تفجيرات جبلة وطرطوس الأخيرة كان هناك احتمالات كثيرة من ضمنها أولها أن القرار السياسي الدولي بتحييد الساحل السوري قد يكون تم تعديله للانتقال إلى خارطة أخرى للصراع الدولي والإقليمي الذي أمتطى الثورة السورية وثانيها إعادة ضخ الساحل بالخوف من أجل ابتزازه من قبل السلطة غير الشرعية في دمشق وثالثها إعادة استخدام ايران لطريقتها التقليدية في العراق باللعب على التناقض “السني الشيعي” و في الحالة السورية “السني العلوي” عبر قيامها بعمليات في كلا الجانبين من قبلها تجعلها تستفيد من ترميد سوريا لاحقاً، وفي كل الأحوال أستبعد فرضية تورط “داعش” في التفجيرات ليس لأنها ليست فصيل ارهابي من طراز رفيع، بل لأن هذا التنظيم بمآل تحركاته وأفعاله حاضر ليلاقي النظام بفعله من المقلب الذي يفترض أنه مناقض له “إرهاب ضد الدولة” وهناك أمثلة كثيرة تبرز خدمات داعش الواقعية من ضمنها تسليم قطع عسكرية كاملة مثل الفرقة 17 واللواء 92 ومطار الطبقة، وأخرها مدينة تدمر سواء من ناحية دخولها أو الخروج منها، وفي أغلب تلك الحالات لم يلقي الطيران برميل متفجر واحد على “داعش”، حيث كان الطيران ملْهي برمي البراميل على “حواضن” الإرهاب في المدن والبلدات السورية الأخرى بل من الملفت أن تنظيم “داعش” قام بتدمير سجن تدمر الشهير الذي يُشكِّل أحد أهم الأدلة المادية القانونية لإدانة رأس النظام بجرائم حرب.

ومن الملفت أن السلطة غير الشرعية بدمشق اتهمت “أحرار الشام” بتفجيرات جبلة وطرطوس التي أعلنت بعدها مسؤوليتها ثم تراجعت عن ذلك ليعلن “داعش” مسؤوليته عن التفجيرات مع إستمرار إعلام السلطة غير الشرعية بالالتفات عن تبني “داعش” واتهام “أحرار الشام”، من الملاحظات المهمة لقراءة المشهد السوري الحالي أنه لم يعد من الواقعي النظر إلى الطرفين “المعارضة” و”الموالاة” ككتلتين منسجمتين داخلاً في مقابل بعضهما، حتى في تلك المؤسسات المنضوية تحت أي منهما، فلدى أغلب الفصائل مرجعياتها الداعمة بسبب حاجتها المال للعمل، وهو مال بالنتيجة سيتحكم بدائرة عملها بمعزل عن نية أو رغبة أفرادها، وهذا الأمر ذاته ينطبق على عناصر الجيش التابع للنظام في الجهة المقابلة، وكذا الأمر في الجهات السياسية الممثلة للثورة السورية التي أصبحت مرهونة للجهات الداعمة أيضاً بمعزل عن النية والإرادة الطيبة لكثير من أفرادها، والأمر كذلك في جهة السلطة غير الشرعية حيث أصبحت مرجعية كل جهاز أمني تترواح بين الموارد الذاتية للفرع، موارد ناجمة عن امتطائه مفهوم الدولة لتحقيق دخله الخاص، أو إيران أو روسيا بل دول ثالثة…، أو ميليشيا الدفاع الوطني التي لم يعد يربطها رابط فيما بينها إلا عنوان عريض من بقايا تأثيرات الإعلام السلطوي المتمثل بأنها “تنظيمات دفاع عن الوطن ضد الارهاب” فهي تتصارع فيما بينها، بل وتؤدي خدمات بالقطعة لأفراد أو قوى خارجية.

نحن أمام مشهد مركّب تبدو قيادته في كلا الطرفين تتبادل الخدمات لبعضها ليس على قاعدة الاتفاق المسبق، بل نتيجة الاختلاف المتناغم الذي يحقق منافع متبادلة بسبب مآلات الصراع، فهذه القيادات على سبيل المثال لديها في مستوى رأس النظام تبادل نفطي مع “داعش” حيث يشتري النظام النفط منها بسعر منخفض ويبيعه بسعر أعلى لـ”الدولة السورية” مستفيدا من طرفي المشهد “الوطن المفترض والإرهاب الواقع” بل وصل موضوع تعاون المختلفين إلى بعض نقاط التماس حيث تقوم بعض فصائل الدفاع الوطني بالتجارة بالمواد النفطية وغيرها مع فصائل مسلحة محسوبة على المعارضة كما حدث مثلا في الغاب وغيرها ، وأظن أن المشترك بين أنصار كلا الجهتين من الشعب السوري كبير جداً ومسكوت عنه وغير مسموح به!

بنفس الوقت المسكوت عنه هو حجم المنافع بين أمراء الحرب “الوطنيين” و”اللّاويين” وهو عينه المسموح به والمرغوب فيه، والذي غالباً يتم عبر تضحية كل طرف بأنصاره ليبقى “الدخل” مستمرا… طبعاً الشهادة من أجل الله والوطن حسب التوظيف جاهزة لتجبّ ما قبلها ولتشجع على ما بعدها من استمرار موت ناس كثر واستفادة “قوّاد” قلائل.

وبكل حال لا ينفي هذا البتة وجود جهات في كلا طرفي المعادلة قابضة بصدق على جمر ما تعتقده صوابا، فبالنسبة لفساد حواجز السلطة فيجب فهمه عبر فهم أن أغلب تلك الحواجز أو مواقع المسؤولية أصبحت بمنزلة “دكّانة” تدر “مصاري” وفرصة لتحقيق الذات عبر السرقة في بلد لم تتحق فيه المواطنة المكتفية، بسبب سرقة الثروات طيلة عقود ليكون “الحلال ع الشاطر” مدخلاً ملائماً للحياة، والوطن عبارة مفضلة وسحريّة حيث “الله العاطي والرازق” لدى جماعة المُسْتثمرين و”قضاء الله وقدره” الذي لا رادّ له لدى المُسْتمرين هما السائدين على حساب سوريا الوطن.

التعليقات متوقفه