الغارديان البريطانية: اللاجئون أصبحوا سلاح روسيا المفضل في سوريا

تركيا ترى أن استهداف روسيا للمراكز المدنية هو محاولة متعمدة لخلق تدفق جماعي للاجئين لانتاج فراغ تملأه القوات الموالية للأسد.

نفي روسيا التام لمسؤولية تفجير المستشفيات والمدارس في سوريا ليس له أي تأثير على أنقرة. يقول مسؤولون أتراك كبار أن فلاديمير بوتين وحلفائه السوريين بوقاحة يستخدمون تدفقات اللاجئين المتزايدة الناتجة عن هذه الهجمات كسلاح في الحرب، بشكل مقصود والوجهة تركيا وأوروبا.

ورفض ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين بشكل قاطع مزاعم تركيا وبلدان أخرى أن القوات الروسية الداعمة لنظام بشار الأسد والميليشيات الكردية السورية قد ارتكبت جرائم حرب في الضربات الجوية يوم الاثنين، والتي أسفرت عن مقتل نحو 50 شخصاً. وقال بيسكوف: “هؤلاء الذين يدلون بمثل هذه التصريحات ليسوا قادرين على دعم تصريحاتهم بالدليل”.

رداً على نفي موسكو وقرارها للحصول على إدانة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لقصف تركيا عبر الحدود مواقع القوات الكردية، قال أحمد داود أوغلو رئيس وزراء تركيا: كان سلوك روسيا “مخز” و “وقح”. وأيضاً قال: لن تسمح تركيا بتدفق جديد للاجئين من شمال سوريا، وستتخذ “كل الخطوات اللازمة” لمنع مثل هذا الاحتمال.

وقال داود أوغلو للبرلمان: “إذا استمرت روسيا في سلوكها كمنظمة إرهابية من خلال إجبارها للمدنيين على الهروب، ستلقى استجابة حاسمة للغاية،”. “لقد قامت تلك الطائرات {الروسية} الحقيرة والوحشية والبربرية بما يقارب 8000 طلعة جوية منذ 30 أيلول دون أي تمييز بين مدنيين وجنود، أو أطفال وكبار سن”.

نزح أكثر من 50000 شخصاً بسبب القتال الأخير في حلب. ومن هنا، تشعر تركيا بقلق متزايد من مكاسب إقليمية لمقاتلي ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (PYD)، الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين ومرتزقة متحالفين مع موسكو. التقدم الكردي، بما في ذلك الاستيلاء على القاعدة الجوية المهمة منغ بدعم من الضربات الجوية الروسية، استرعي رد تركيا بقصف مواقع سورية يسيطر الأكراد عليها.

أبرزت مقتطفات من تقرير صادر عن الأجهزة الأمنية في تركيا نُشِرَ يوم الثلاثاء في صحيفة حريت، الشكوك التركية بأن روسيا تحاول عمداً تسخير أزمة اللاجئين كسلاح بيدها.

وحذر التقرير: “إن قوات النظام وحلفائه يحاولون خلق موجة جديدة من اللاجئين عن طريق التقدم نحو إعزاز [في شمال سوريا]… هناك 10 مخيمات للاجئين بين هذه المدينة وبلدة كيليس التركية. ومن المرجح أن يهرب سكان هذه المخيمات ويبحثون عن ملجأ في تركيا، بينما سيستولي على هذه المخيمات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أو قوات الأسد”.

قال مسؤولون أمنيون للصحيفة أن روسيا تستخدم التكتيكات المستخدمة سابقاً في حرب الشيشان الأولى في شمال القوقاز في التسعينيات، والمعروفة باسم “نموذج غروزني”. ويتضمن إفراغ المناطق السكنية الريفية قسراً من خلال حملة انهاك ضد السكان المحليين. حيث يتحقق ذلك من خلال نشر الأسلحة الثقيلة للقضاء على القوى المعارضة، مما يستتبع تدمير واسع النطاق للمنازل والبنية التحتية.

نظراً لاستخدام الأسد السابق والموثق للبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والضربات الجوية والمدفعية الثقيلة ضد المناطق المدنية؛ لا تبدو مطلقاً تكتيكات روسيا جديدةً. ما يبدو مختلفاً هو الخلق المتعمد لحالات الطوارئ التكتيكية المتعلقة باللاجئين للتأثير على اللاعبين الخارجيين الذين يتوجب عليهم التعامل مع التداعيات.

متحدثاً في عطلة نهاية الأسبوع، قال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جون ماكين -من أشد المنتقدين لسياسة إدارة أوباما المتعلقة بعدم التدخل- بأن الاستراتيجية الروسية “فاقمت أزمة اللاجئين واستخدمتها كسلاح لتقسيم حلف الأطلسي وتقويض المشروع الأوروبي”.

كرر الساسة الأوروبيون الذين حضروا في نهاية الأسبوع مؤتمر أمني في ميونيخ قبل هجمات الاثنين، مخاوف ماكين القائلة بأن المحلات التجارية والمدارس والمستشفيات مستهدفة في محاولة لإجبار السكان المحليين على الاستسلام وزيادة تدفق اللاجئين نحو تركيا وأوروبا.

حدثت غارات جوية سابقاً مشابهة لتلك التي حدثت يوم الاثنين. يقول مسؤولون أمريكيون أن القوات الروسية والنظام دمروا كل من المستشفيات الرئيسية في حلب الأسبوع الماضي. في المجموع، كان هناك 14 هجوماً على المرافق الطبية هذا العام وحده.

إذا كانت روسيا حقاً تستخدم اللاجئين لكسب نفوذ سياسي وعسكري، فقد نجحت في هذا الأمر. تتعرض تركيا لضغوط شديدة من الولايات المتحدة لوقف قصف الأكراد السوريين الذين تدعمهم واشنطن. لهذا السبب ولأسباب أخرى، فقد تتعرض العلاقات بين الحليفين في الناتو لمستوى منخفض جديد.

تركيا على خلاف مع فرنسا، التي تفضل أن تعطي أنقرة الأولوية لمكافحة إرهابيي الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا، وعلى خلاف أيضاً مع الاتحاد الأوروبي على أفضل السبل للتعامل مع أزمة اللاجئين.

مما لا شك فيه أن فرحة بوتين لحالة الطوارئ الكثيفة للاجئين تقسم أيضاً الولايات المتحدة وأوروبا، وذلك باتهام لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي السابق لواشنطن بعدم الالتزام. القرار الذي اتخذته أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية بفتح الباب أمام اللاجئين السوريين لاقى انتقادات متزايدة في الداخل، وقد وُصِفَ “بعدم التحمل” من قبل رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس.

في تحول للسياسات، تدعم ميركل الآن الوقوف إلى جانب النداءات التركية لإقامة منطقة حظر جوي في شمال سوريا منذ فترة طويلة لوقف الهجرة من خلال حماية المدنيين في أماكنهم في الداخل وهي فكرة عارضها مراراً وتكراراً باراك أوباما. من جانبها، تضغط تركيا على كل حلفائها الغربيين والخليجيين للمشاركة في عملية برية عسكرية داخل سوريا وهو خيار تصعيدي آخر، وبالاستناد إلى ما جرى في الماضي، يبدو أنه سيلقى معارضة الرئيس الأمريكي الذي يكره المجازفة.

*ترجمة محمود العبي عن صحيفة الغارديان البريطانية، لمطالعة المقال الأصلي اضغط هنـــا

التعليقات متوقفه