سقوط “الأمم المتحدة” – رامي سويد

أخيراً وبعد انتظار دام ثلاثة أشهر تخللها ثلاثة اجتماعات لما سمي بـ”مجموعة الاتصال الدولية الخاصة بسوريا” اثنان منها في فينا وآخر في نيويورك، وبعد اجتماع المعارضة السورية بفصائلها العسكرية وكياناتها السياسية في الرياض لتنجح بانتخاب “هيئة عليا للمفاوضات”، صدر القرار 2254 عن مجلس الأمن الدولي بإجماع أعضائه الخمس عشر.

جاء القرار في نصه العام متبنياً لكل محددات بيان فينا الذي صدر عن اجتماع فينا الثاني مطلع الشهر الماضي، لكنه تضمن في نفس الوقت تعديلات وإضافات تؤكد أن الوجود العسكري الروسي على الأرض السورية مكن الروس من شد حبل الملف السوري إلى طرفهم، على حساب القوى الإقليمية والدولية التي تعتبر نفسها داعمة للشعب السوري ورافضة لنظام الأسد.

ودعا القرار الجديد، الذي صدر تحت البند السادس لتنتفي إمكانية الاستناد إليه للقيام بعمل عسكري يجبر الأطراف المعنية على تنفيذه، إلى “وصول الوكالات الإنسانية السريع والآمن غير المعرقل إلى جميع أنحاء سوريا، وخصوصاً في المناطق المحاصرة، وإلى الإفراج عن المحتجزين بشكل تعسفي، لا سيما النساء والأطفال”، وإلى التنفيذ الفوري لقرارات دولية، سبق أن صدرت عن مجلس الأمن، بخصوص رفع حصار النظام عن المناطق التي يجوّعها ويقصفها بالبراميل”، كما دعا إلى “وقف الهجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية بحد ذاتها، وضد المرافق الطبية والعاملين فيها، ووقف الاستخدام العشوائي للأسلحة، بما في ذلك القصف المدفعي والجوي”.

أما فيما يتعلق بوقف إطلاق النار فقد نص القرار على قبول وقف إطلاق النار مبدأ عاماً، لكنه “جعل دخوله حيز التنفيذ ممكناً بمجرد أن يخطو ممثلو الحكومة والمعارضة الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي، برعاية الأمم المتحدة، استناداً إلى بيان جنيف”. أي أن وقف إطلاق النار لن يطبق قبل المفاوضات، بل بعد تحقيق نجاحٍ فيها، ويجعل ذلك مصير تنفيذ وقف إطلاق النار في يد النظام الذي لا يريد حلاً سياسياً أصلاً، ما يجعل تنفيذ بند فتح الممرات الإنسانية وإيقاف استهداف المرافق الطبية وإيقاف القصف العشوائي أمراً مستحيلاً.

وبعد أقل من يومين فقط من صدور هذا القرار الأعرج عن مجلس الأمن، شنت قوات النظام السوري مدعومة بالمليشيات الشيعية، العراقية والإيرانية والأفغانية واللبنانية، هجوماً برياً كبيراً مدعوماً بغطاء جوي كثيف من الطيران الروسي على مناطق خان طومان وزيتان والقراصي جنوب حلب، لتتمكن من السيطرة عليها، بعد أن أحرقتها قصفاً بمختلف أنواع صنوف القذائف والصواريخ العشوائية والدقيقة، الأرضية والجوية.

وسبق هذا الهجوم الكبير جنوب حلب، هجوم جوي غير مسبوق، شنته طائرات حربية روسية، على سبعة نقاط بمدينة إدلب بأربعة عشر صاروخا أدت إلى مقتل نحو سبعين مدينا وإصابة نحو مئة وخمسين آخرين، كانوا يتواجدون في مناطق لم تمنع صفتها المدنية إدراجها على بنك الأهداف الروسي، كان منها سوق الجلاء ومبنى الكتب المدرسية ومساكن البلدية وكلية الحقوق في إدلب ومبنى فرع الحزب.

المختلف في هذه الغارات عن كل ما سبقها من غارات تسببت بمجازر كبرى في حلب ودوما وغيرها، أنها جاءت بغطاء من “الشرعية الدولية” بأعلى هياكلها والذي يتمثل بمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، حيث نص قرار مجلس الأمن الأخير على أن “وقف إطلاق النار لن يشمل تنظيم داعش وجبهة النصرة وما شابهها من التنظيمات المتطرفة”، ويبدو أن روسيا نجحت في إدراج عبارة “ما شابهها” لتبقي الباب مفتوحاً أمام تبرير غاراتها الوحشية على المدنيين السوريين بحجة وجود جبهة النصرة أو غيرها بينهم.

الأخطر من كل ذلك هو تصريح باولو بينيرو رئيس اللجنة الدولية المستقلة المعنية بالتحقيق في الانتهاكات في سوريا والتابعة للمفوضية الدولية المستقلة لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، لوكالة رويترز قبل يوم من صدور قرار مجلس الأمن الأخير، بأن اللجنة التي يرأسها لن تحقق بالغارات الجوية التي تشنها طائرات غير سورية على الأراضي السورية، بالرغم من كل التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية المستقلة السورية والأجنبية (هيومان رايتس ووتش مثلا) التي أكدت انتهاك الطائرات الروسية وطائرات التحالف الدولي لقوانين الحرب في سوريا.

ويعني ذلك بكل وضوح، إعطاء المفوضية الدولية المستقلة لحقوق الإنسان تطميناً لجميع الدول التي تقوم بقصف أهداف على الأراضي السورية بأنها لن تتحمل أي تبعات ولو تسببت بمجازر ضد المدنيين السوريين، ويطرح ذلك سؤالاً جوهرياً حول الجدوى من وجود لجنة التحقيق الدولية، والمفوضية السامية المستقلة.

كما يطرح قرار مجلس الأمن الأخير سؤالاً حول الفائدة من وجود المجلس إذا كان سيتحول إلى أداة في يد روسيا أو غيرها لزيادة زعزعة الأمن وزيادة الإضرابات في سوريا وبالتالي تمددها إلى محيطها وإلى باقي أنحاء العالم، بدلاً من ضبط الأمن الدولي وإنهاء النزاعات، ويبدو أن الإجابة على السؤالين الأخيرين هي أن استمرار نظام الأسد وحلفائه وتنظيم داعش وما شابهه وحتى القوى التي تدعي أنها تحارب الإرهاب بقتل السوريين وتهجيرهم كل هذا الوقت دون أن تقوم الأمم المتحدة بجميع مؤسساتها بأي شيء قد كشف مدى ترهل هذه المنظمة الدولية ومؤسساتها، وهو الأمر الذي يدق ناقوس الخطر انذاراً باحتمال انهيار الأمن والسلم في العالم أجمع وليس في سوريا فقط.

التعليقات متوقفه