أما آن أن نهتدي إلى الكلمة الحرة؟ – سليم المحروق

لم يعد خافياً على أصغر دويبة على سطح الأرض أن الشعب السوري ثار على الظلم والقمع والقهر والاستعباد، ليعبر عن توقه لتذوق طعم الحرية بالوسائل السلمية التي تعتبر سلاح الشعوب الوحيد الذي تلجأ إليه في مفارق الحياة الفاصلة .أجل لقد انتفض الشعب السوري لاستعادة حريته وحرية بلاده السليبة التي قبضت عليها مخالب التنين في ليلة سوداء فاختطفتها، وكفنتها بأكفان الشعارات المزيفة الكاذبة، وأودعتها زنازين الكذب والعقم والموت المحتم.

 لقد عمل الطغاة على تفريغ الكلمة من محتواها، وتوظيفها لخدمة مشاريع الكذب والمكر من خلال الوعود الكاذبة، والشعارات العريضة الفضفاضة الفارغة، فوقع الشعب السوري ضحية كذبة كبرى أسموها القومية العربية ليتوه الشعب في متاهات المزاودات القومية، والسمسرة السوقية الرخيصة حتى بدأ يضل طريقه، ويفتقد كرامته على مراحل بسبب مصادرة الكلمة الحرة أداة التعبير الأهم عن الحرية المفقودة، وعن الفكر الحيوي الحر الخلاق الذي يشكل أرضية متينة لنهوض الأمة من كبوتها.

لقد تفنن الطغاة في تفصيل السلاسل المتينة من أجل لجم الكلمة الحرة الهادفة، وقد تم لهم ما أرادوا ولكن لفترة من الزمن، غير أن إرادة الحياة الحية تأبى إلا أن تنبت قيم الخير والحق والعدل والحرية في تربتها الخصبة، لذلك انتفض الشعب السوري على الظلم والاستعباد، وها نحن اليوم نصارع في بحار من دمائنا من أجل تخليص الكلمة من أصفادها حتى تتحول إلى بلسم يشفي صدور الطامحين إلى حياة حرة كريمة مقدسة لكل إنسان، لقد أصر نظام الحكم في سوريا على أسلوب الكذب، وتفريغ الكلمة من مضمونها وتحوير غاياتها النبيلة من أجل تحقيق مشاريعه المظلمة التي راودت أحلام نفوس القائمين عليه المريضة، مستهترين بسر الكلمة الحرة وسحرها كوسيلة فضلى ومثالية للتفاهم بين بني البشر الأصدقاء منهم أو الأعداء على حد سواء، ذلك التفاهم القائم على الحق والعدل والمنطق لا على قوة الزند والعضلات، أو الصاروخ والمدفع، أوصل قادة النظام السوري البلاد إلى هذا الأتون اللاهب الذي سيلتهمهم بنيرانه اللاهبة قبل غيرهم لا محالة.

 إن للكلمة سرها وسحرها وقداستها, أما آن لنا أن نهتدي إلى الكلمة السحر والبلسم لنستضيء بنور هديها؟ ونستلهم روح وعيها، لعلنا نمشي كلنا في طريق التعاون والصدق والمحبة والإيثار. فمن ذا الذي وكل الحاكم الظالم المستبد في التحكم بمسيرة حياة الناس، ومن فوضه عليهم ليكمم أفواههم، ويخرس أصواتهم. إن الناس تواقون إلى الحق والخير والعدل والسلام والمحبة والعيش المشترك مع بعضهم، وبصرف النظر عن أي انتماء لعرق أو دين أو مذهب أو طائفة أو غيرها من الانتماءات التي تعتبر بمثابة أوبئة فتاكة في عالم الإنسان.

ما دامت سجون وزنزانات حكامنا تغص برواد الكلمة الحرة وما دام الكثيرون أيضاً يحتقرون الكلمة الحرة ويمتهنونها سنظل نتخبط في بحار دمائنا النازفة تائهين في مهامه الجهل والتخلف والضياع. فليدرك كل فرد أو جماعة أو طائفة أننا بعد انهيار هذا النظام المجرم ورحيله لن نرضى بغير سلاح الكلمة الحرة الهادفة سلاحاً أمثل وأفضل لكل إنسان طامح لحياة حرة كريمة شريفة مقدسة إنه سلاح الكلمة الحرة الهادفة التي تنشد المنطق وسيلة والحق غاية، لقد حمل الإنسانَ وحده بين المخلوقات شرف وأمانة الكلمة وقدسيتها لأنها أقدس وسيلة للتفاهم بين الناس. وهل ثمة شك أن الكلمة الحرة الشريفة النظيفة غير دفينة قلب الكاتب والأديب والشاعر والفيلسوف والناقد وأنه لم ولن يتلفظ بها هؤلاء غياً وعبثاً وجزافاً وفجوراً فكيف لأي حاكم مستبد أو أي جهة من الناس أن تخرسها وتلجمها؟ نعم إن دعاة الكلمة الحرة الهادفة يشكلون نخباً وقمماً في الأمم الأخرى وتكون لآرائهم كفة راجحة في السلم والحرب على حد سواء.

 إن الشعب السوري العظيم لم يهرق هذه الدماء الغزيرة من أجل استبدال طغيان بطغيان آخر، أو الارتهان لأي عقيدة متعصبة، أو نظرية طارئة، وليس ثمة قاعدة ثابتة غير قاعدة العقل الأبديةٌ صالحة لإقامة التفاهم بين الناس .لقد عانى الشعب السوري طيلة نصف قرن منصرم من استعباد قلما شهد له التاريخ مثيلاً وها هو اليوم يموت من أجل خلاصه من الظلم، وتحرير الكلمة التي ستمنحه حرية التعبير عن طموحاته كلها وحق التمتع بإنسانيته الكاملة.

التعليقات متوقفه