كفرنبل.. درّة الحراك المدني الثوري – محمد السلوم

مدينة ومركز ناحية في السفوح الجنوبية الشرقية لجبل الزاوية، في ريف محافظة إدلب الجنوبي، ترتفع حوالي 635 متراً فوق سطح البحر، ويقترب عدد سكانها من 30 ألف نسمة بحسب آخر الإحصائيات، وتتبع لها إدارياً 19 قرية و27 مزرعة.

البلدة مقامة على هضبة كلسية تبعد 12 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة معرة النعمان، إعمارها قديم ويدل على ذلك اسمها الآرامي (كفرنبولا) والتي تعني بحسب الأب شلحت في كتابه “لغة حلب السريانية” قرية الاحتقار، فيما يرى باحثون آخرون أن الاسم عربي ويعني: كفر أي مزرعة ونبل من النُبْل والنبالة!

فيها بيوت قديمة منحوتة بالصخر الحوّاري وبعض المقابر القديمة التي تعود إلى فترة الحكم البيزنطي. ومع تنفيذ المخطط التنظيمي للبلدة شُقّت فيها الشوارع وبنيت مساكنها الحديثة من الحجر والأسمنت وتوسعت على محاور الطرق بمختلف الاتجاهات حيث بنيت فيها أبنية حديثة محاطة بحدائق مشجّرة. يعمل سكانها بالزراعة البعلية (حبوب، بقول) على مساحة قدرها 124هكتاراً، وبزراعة الأشجار المثمرة على مساحة تقدر بألف هكتار، ومن أشهر أشجارها: التين والزيتون، وهما موسمان أساسيان لسكان المدينة.

يقول المؤرخ محمد سليم الجندي في كتابه “تاريخ معرة النعمان” عنها: (أهلها أكثر الناس نشاطاً ودؤباًعلى العمل، وهم يسايرون الزمن في اختيار ماهو أروج من أنواع الزرع، فعندهم أنواع من التين الجيد, وأهل هذه القرية يحرصون على أن تكون جميع حاجاتهم من صنعهم، ولذلك نجد لديهم مطاحن ومعاصر ومناسج وماشاكل ذلك، وأكثرهم لبقون في صناعتهم، بارعون في تجارتهم، وقد أخذوا في العهد الأخير يشترون من أراضي القرى المجاورة لهم ويضمونها إلى قريتهم).

تُعرف المدينة بمستوى التعليم المتميز بين أبنائها وعدد حاملي الشهادات العليا الكبير منهم، وقد عانى أبناء البلدة من قمع كبير وتغييب واسع من قبل نظام البعث في الثمانينيات والسنوات التي تلتها. وكان ذلك حافزاً أساسياً دفع بأبناء المدينة للمشاركة بشكل واسع وفاعل في الثورة السورية.
حيث بدأت الكتابات المناوئة للنظام تظهر على جدران المدينة قبل عدة أسابيع من انطلاق الثورة بشكل حقيقي، وبعد انطلاقتها كانت من أوائل المناطق التي خرجت منها المظاهرات المعارضة للنظام والمطالبة بإسقاطه في مناطق الشمال السوري. وسرعان ما اشتهرت البلدة بنشاطها السلمي عبر لافتاتها الثورية ذات النكهة الساخرة واللاذعة.

اقتحمتها قوات النظام بتاريخ 4/7/2011 بقوات من الفرقة 11 والفرقة الثالثة، واعتقلت العديد من أبناء القرية وأحرقت أسواقها، وقطّعت أوصالها بالحواجز التي استشهد بنيرانها العديد من أبناء المدينة.

ومنذ اقتحام المدينة تصدى أبناؤها لقوات النظام بمظاهراتهم التي لم تتوقف وبالعديد من العمليات العسكرية التي قادها أبناء المدينة من ضباط وعسكريين منشقين وثوريين متطوعين، لتكلّل بتاريخ 6/8/2012 حيث شهدت المدينة معركة ضخمة استمرت خمسة أيام لتسفر في 10/8 عن تحرير المدينة وعدد من البلدات والقرى المجاورة من قوات النظام.

خسرت المدينة أكثر من 300 شهيد قضى معظمهم نتيجة عمليات القصف، حيث شهدت بعد تحريرها عدداً من المجازر التي نفذها الطيران الحربي والمروحي والمعسكرات القريبة منها وأهمها معسكري وادي الضيف والحامدية، التي أوقعت مئات الشهداء والمصابين. وغيرت العديد من معالم المدينة، حيث دمرت بشكل كامل دوار الساعة في منتصف المدينة والذي حل مكانه اليوم نصب تذكاري يحمل أسماء الشهداء الذي سقطوا في تلك المجزرة ويقارب عددهم 30 شهيداً، كما دمرت السوق الشعبي فيها “سوق الخميس”، وسقط فيه قرابة 20 شهيداً، كما دمرت المستوصف، والمؤسسة الاستهلاكية، ومسجد أبي بكر الصديق وعدداً من مدارسها بشكل كامل.

تضم المدينة الآن عدداً كبيراً من النازحين من المناطق المجاورة التي تتعرض للقصف المستمر أو التي تعرّضت لدمار كبير، كخان شيخون ومعرة النعمان وريف حماه الشمالي.

كما تضم العديد من الفعاليات المدنية كمراكز تأهيل المرأة ورعاية الطفولة وإذاعة FM وتصدر في البلدة عدة مطبوعات ومنشورات دورية تصدر عن عدد من المكاتب والهيئات الإعلامية.

ومازالت مظاهرتها الأسبوعية مستمرة لتعبر بشكل أسبوعي عبر لافتاتها عن موقف الحراك الثوري السلمي من أهم الأحداث التي تجري على الساحة السورية والدولية المتصلة بالشأن السوري.

التعليقات متوقفه