مذكرات لاجئ: مخفر كوشداش قرب إزمير.. حين تصبح حرية اللاجئ منحة – هبة عز الدين

لقد أشرقت الشمس أخيراً، نهضت ألملم ستر النجاة التي كنت أنام عليها علها تقيني من برودة البلاط، كانت طفلةٌ عراقية بجانبي تتقيأ من شدة البرد، نظرت حولي بسرعة خوفاً من رؤية أحد الشبان لي وأنا أستيقظ ووجهي يضرب أخماسه بأسداسه وأحد ساقي بنطالي مرفوع حد الركبة والآخر متدلي كأذني كلب. أتى من بعيد شرطي جلف لم يتوانى أن يدوس ستر النجاة بقدميه وكأن من سيرتديها صعلوك قذر لا يأبه لنظافة لباسه، طلب منا جميعاً أن ننهض خلال عشر دقائق، بصراخ باللغة التركية التي أكره، وكأن حكم ” العصملي” عاد من جديد، هرول الشباب إلى الحمامات، يحاولون إخفاء ماتيسر من عوراتهم.. في هذا البلد الإسلامي لا ضير أن يرى الرجل ركبة إمرأة أو ترى المرأة عورة رجل.

قادونا جميعاً خارج المبنى والكل يهمس متسائلاً عن مصيرنا، قال أحدهم: سيسلمونا للنظام السوري وتنطع آخر بعلمه بإتفاقية برلين، فقاطعه رجل خمسني من بعيد قائلاً: ياجحش تركيا مو داخلة إتفاقية برلين، جن جنون الرجل وراح يزبد ويرعد وهمّ بترك صفه والعودة خلفاً كي يضرب الرجل، حينما صرخ الشرطي: أدبسيس، شرفسيس ، كال… وأشار له أن يعود لمكانه.

دخلنا لمبنى آخر وطلبوا من كل واحد أن يبصم إلكترونياً والتقطوا لنا صوراً كأننا في غوانتانمو، وكتبوا لنا أرقاماً على كفوفنا، كان رقمي 65، ثم وضعونا في سيارة وقالوا لنا أنهم سينقلونا إلى مكان آخر في أزمير. يااااه كم كان عذباً شعور عبور الباب الحديدي، هواء نظيف، وصوت سيارات، ونساء يرتدين المايوه، وأطفال يأكلون البوظة. هذه اللحظات مسكرة، مخدرة تمكنك من تحمل الذل لساعات طويلة. بدأ بعض الشبان ممن يتكلمون بعض الكلمات التركية بسؤال السائق عن مصيرنا، وكان يجيبهم أنه سينقلنا إلى مكان آمن في تركيا، كان يقطع ثرثرتهما سباب رجل بآخر السيارة. عندما وصلنا لأزمير طلب منا السائق أن ننزل جميعاً ونرحل، وكأنه لم يخبرنا قبل قليل أنه سينقلنا لمكان آخر، تذكرت حينها ما أخبرني به عمي عن النظام السوري و أسلوبه بالتعامل مع المعتقلين وأنه “مفضل على اللي خلفهم” حتى في حريتهم. نزلنا وركضنا بسرعة دون أن ننظر للخلف، كل ما استطعنا فعله أن نفتح أيدينا للهواء كي لا يزال الرقم بسبب التعرق، فالرقم في تلك البلاد صك براءة. وعدنا من جديد إلى ساحة بصمنة لننتظر هناك وعد مهرب جديد بنقلنا بالبلم إلى أرض اليونان.

التعليقات متوقفه