مدينة الأزمات واليأس – محمد جعفر

يعيش الساحل السوري بشقيه المعارض والموالي أزمات كثيرة، فمدينة اللاذقية، أكبر مدن الساحل السوري، التي كانت من أوائل المدن التي خرجت بها التظاهرات المناهضة للنظام السوري مع انطلاق الثورة في سوريا منذ ثلاث سنوات سقطت اليوم في أزمات لا يشعر بها إلا سكان هذه المدينة.

المعارضون للنظام السوري باتوا يعيشون حالة خوف وقلق دائمين بسبب انتشارات الحواجز التابعة لما يسمى بـ “جيش الدفاع الوطني” وميليشيا “كتائب البعث”، في الوقت الذي تستمر فيه حملات المداهمة والاعتقال العشوائية منذ ثلاثة أعوام إلى اليوم، والتي نتج عنها إلى اليوم اعتقال أكثر من 15 ألفاً من أبناء المدينة!

يعاني معارضو النظام السوري أيضاً من ممارسات انتقامية تقوم بها المليشيات التابعة للنظام السوري في المدينة، حيث يقوم منتسبو هذه المليشيات بين الحين والآخر بمداهمة الأحياء ذات الغالبية المعارضة للنظام السوري، ليقوموا باعتقال الشبان وضربهم بعد إطلاق الرصاص في الهواء بشكل كثيف بهدف نشر الرعب في صفوف السكان.

أما مناصرو النظام السوري، فهم أيضاً على الجانب الآخر، يعيشون أزمات من نوع آخر، حيث يسيطر رعب وصول أوامر بالانتقال إلى جبهات القتال في جبلي التركمان والأكراد التي تسيطر عليها كتائب الثوار إلى منتسبي المليشيات التابعة للنظام السوري.

حالة الرعب التي يعيشها هؤلاء دفعتهم مراراً إلى افتعال أزمات في المدينة بهدف إظهار الوضع الأمني فيها بصورة الوضع المضطرب كي لا تأمرهم قيادة قوات النظام السوري بالانتقال إلى جبهات القتال ضد كتائب الثوار في الجبال الواقعة إلى الشرق والشمال من مدينة اللاذقية.

ذلك أن خطوط التماس بين كتائب الثوار وقوات النظام السوري في جبال التركمان والأكراد شهدت على مدى الشهور الأخيرة عدة مواجهات مسلحة قوية نتج عنها مقتل المئات من عناصر قوات النظام السوري، بينهم العشرات من متطوعي المليشيات الموالية للنظام السوري الذين لا يتمتعون بأية خبرات عسكرية، الأمر الذي أدى لمقتل الكثير منهم، كان بينهم متطوعون مهنتهم الأساسية الخياطة أو الغناء في الحفلات في المدينة، تم إجبارهم على الدخول في معارك مع كتائب الثوار التي أصبحت، بحكم قتالها المستمر منذ ثلاث سنوات إلى اليوم، تتمتع بخبرات عسكرية ميدانية لا يستهان بها.

أدى ذلك كله إلى تدهور الحالة النفسية لمؤيدي النظام السوري في المدينة، وساهم في ذلك أيضاً مقتل المئات من أبناء العائلات المؤيدة للنظام السوري نتيجة قيام تنظيم الدولة الإسلامية بإعدام المئات من جنود النظام السوري بعد سيطرته على الفرقة السابعة عشرة واللواء 93 شمال الرقة وعلى مطار الطبقة العسكري غربها.

ترافق ذلك مع حالة لا مبالاة واضحة سيطرت على الإعلام التابع للنظام السوري وعلى تصريحات المسؤولين في هذا النظام، الأمر الذي أدى لارتفاع مستوى الاستياء في أوساط الحاضنة الشعبية المؤيدة للنظام السوري في المدينة.

أصبح أهالي مدينة اللاذقية، المؤيدون والمعارضون للنظام السوري، يستيقظون كل صباح في الأشهر الأخيرة على أصوات سيارات الإسعاف وأصوات الرصاص الذي يرافق مرورها والذي تطلقه القوات العسكرية المرافقة لهذه السيارات بهدف إجبار السيارات المارة على إفساح المجال لمرورها، لتعمّق هذه الأصوات اليومية حالة اليأس التي يعيشها سكان المدينة، ولتساهم مع تردي الأوضاع الخدمية في تثبيت اليقين الذي تكوّن في أذهان سكان المدينة، بأن الأسوأ لم يأتِ بعد.

التعليقات متوقفه