ذاكرة الأطفال ومخلفات الصراعات الطائفيّة – براء الجمعة
ذاكرة الأطفال ومخلفات الصراعات الطائفيّة
براء الجمعة – أخصائي نفسي
لا تقف الطائفية أو الطائفة عند المذاهب الدينية أو الاعتقادات المذهبية، بل تتعدّى ذلك للوصول إلى الطائفة السياسية، التي تعتبر ثمرة الطائفة الاجتماعية بمزاوجتها مع الطائفة الدينية،
ومن أهم مخلفات هذه الصراعات على الأطفال:
1- الحقد: أول ما يتكون في ذاكرة أطفالنا هو الحقد إزاء عدو أسال الدماء وقطع الرقاب وهجّر الأهل وشتّت الأقارب، والحقد الذي أخذ يتجذر في النفس حيث يصعب على الطفل الانعتاق منه، وقد تلازم مع صورة أبيه المضرّج بالدم أو المخطوف، وصورة أمه الصريعة وأخيه الصغير على صدرها وقد غسلتهما الدماء، وهو لن ينسى دمار بيته بل حارته ومدينته، والمدافن والنعوش الجماعية، ولن ينسى أيضاً تلك الطفلة الطاهرة المقطوع رأسها عن جسدها! هذا الصراع الذي استحال إلى ما يشبه الممحاة التي ستمحو كلمة براءة من ذاكرة الطفل الشاهد على الحدث، وتطبع بدل هذه الكلمة: الحقد وعدم الثقة بالآخر، وقد يتطور ليفقد الثقة بالمحيط المقرّب منه كالعائلة مثلاً، وتنمو هذه الحالة غير المتوازنة من الاستقرار لينتج عنها أضعف ما ينتج فقدان ذاكرة آني مستمر.
2- الخوف: الإنسان منذ بداية الحياة يخاف، يقول “واطسون مؤسس المدرسة السلوكية”: (إن الخوف يشكل أحد الاستجابات الأساسية عند الأطفال، ويصبح مولّداً لا شعورياً للدوافع، فيقترن كل دافع وكل سلوك بمحرض الخوف). يكون الخوف في البداية نتيجة الضوضاء والأصوات العالية، ويتطّور الخوف بعد الولادة حتى يصبح لدى كل منا ثلاث أنواع من الاستجابات: “الخوف الواقعي – القلق – الخوف المرضي/الفوبيا”، وهكذا فإن ضحايا الحروب لا تقتصر على القتلى والمشوهين والمصابين جسدياً، بل يوجد بين تلك الضحايا هؤلاء المصابين باضطرابات نفسية، فجرتها ضغوطات الحرب، والطفل الذي يصاب بمثل هذه الاضطرابات سيعاني لاحقاً من اضطرابات في شخصيته، وقد يتمظهر هذا الخوف من خلال فقدان الثقة بالنفس، ومن خلال عقدة الانسحاب والخجل، وترافقه في المستقبل ليختار مهنة مستقلة عن المحيط الاجتماعي، بعيدة قدر البعد عن مخالطة الناس، كأن يعمل حارس مزرعة مستقلة، وبعيدة عن التجمعات المدنية ورفض الاقتران بالآخر ودخول المؤسسة الزوجية، لذا علينا قدر الإمكان اقتلاع الخوف أو التخفيف منه من خلال غرس الفرح والبراءة والحب، لأن الخوف مدمر للفرد والجماعة.
3- الدونية: من أشدّ المخاطر على طفولتنا ومن أكثر ما يترسخ في ذاكرة أطفالنا هو ذلك الشعور بالدونية إزاء العدو، لا يستطيع أي مجتمع النهوض إذا كان أفراده يشعرون أنهم أقل ثقافة وقوة واقتصاداً من هذا العدو المغتصب، ويفقد الطفل الشعور بالسمو -نقيض الدونية- والسمو الذي يحرّر اللاشعور عند المرء من الخلفية المعارضة لأنا المجتمع أو الرقيب، فالسمو يقترن دائماً بالرقيب الأعلى، ويسمو عليه أو يأخذ سلطة علوية فوقه، فترى الطفل يبتعد عن السرقة ليس لأنها حرام في شريعته بل لاعتقاده أنها عمل مخالف للطبيعة الإنسانية الطاهرة، وهذا من السمو الذي يسعى جاهداً لتحرير النفس الانسانية من الشوائب، والتي تنعكس في تحليق هذه النفس في الأفق وتشغيل الخيال العلمي والعاطفي للشخصية، وبالتالي الاستقرار والابتعاد عن أو نفي مصدر القلق.
التعليقات متوقفه