مذكرات ثورية: ربيع – يمنى الخطيب

ربيع

يمنى الخطيب

ربيع، شاب سوري فرّ من بلده إلى تركيا وقد مرّ بعرس انتخابي! في ذلك اليوم شعر بالوحدة الوطنية وحب الوطن!… وشعر بالمعنى الحقيقي لحب قائد الوطن!…

كان يسير في شوارع المدينة بجانب تجمّع انتخابي، وكان يفهم بعض الكلمات، قرّر أن يتابع المسير إلا أن شيئاً بداخله دعاه لأن يحضر هذا العرس الانتخابي الذي لا يخصه، فالقائد الذي يلقي الخطاب كان ينادي جمهوره: إخوتي… إخوتي…

أحس أن الكلمة صادقة ونابعة من قلبه عندما رأى ابتسامة الرضا على وجوه الجمهور وقلوبهم، وكانت أذهانهم معلقة بقائدهم ويحملون أعلام الوطن بكل حب إضافة إلى شعار ذلك الحزب الذي منحوه الولاء…

ربيع لم يحضر في وطنه يوماً مناسبة كهذه، لكنه تذكر وجوهاً بلهاء شاهدها على شاشة التلفاز وهي تحيي المرشح الوحيد والابن المصطفى الذي لن تلد أمهات وطنه من يماثله في عظمته لذلك كان وحيداً ولا منافس له!

لم يعد يسمع النشيد بأذنه فحسب بل كان قلبه يخفق مع كل كلمة تقال: إنه الصوت القوي للشعب المظلوم إنه الصوت الحر للعالم الصامت.

هكذا بدأت الأنشودة وبدأ جميع الحاضرين بترديدها وأخذ يرددها معهم والفرحة تغمر قلبه… واندمجت روحه بهذا المحفل الكبير هنا… لم تتكلم الألسن ولم تحضر الأجساد فحسب بل كانت أرواحهم هي الحاضرة وأفئدتهم هي من تنطق باسم قائدهم الذي ينتخبونه…

ومع كل صفاته المؤهِّلة لجعله قائداً إلا أنهم يدعمونه كثيراً ويخافون عليه من خصمه!…

نعم… هناك خصم موجود فعلا!…

وسرعان ما تواردت إليه خواطر ذكّرته بأنه لا ينتمي إلى هذا المكان… تذكر ذلك الوجه الأحمق الذي كان خطابه مكتوباً أمامه، على من يدّعون حبه، وربما كان خطابه قد ألّف وقدم إليه جاهزاً ليسرده بلا إحساس فيكون بلا معنى… وعلى الجمهور أن يصفق كلما ذكر اسمه! هكذا هو روتين الخطابات في بلد ربيع!

أما هنا، وحيث كان واقفاً؛ كان ذلك القائد يلقي خطابه بكل ثقة، ويوزّع نظراته الحانية على جميع الحضور الذين أدلوا بأصواتهم بكل نزاهة…

ونتائج الانتخابات قريبة جداً والجميع ينتظر ذلك اليوم بلهفة، فلا أحد يعلم النتيجة مسبقا!…

وفي أثناء الكلمة صرخ الخطيب بصوت عال: هنا تركيا…

ورُفِعت الأعلام وعلا الهتاف… أما ربيع فقد نزلت دموعه واحترق قلبه حسرة، فلا بد أن يستيقظ من وهمه ويعود إلى منزله الذي لجأ إليه هرباً من ظلم قائده العظيم!… وبخطى مترنحة متعبة مقهورة؛ انسحب، فلا مكان له هنا… تذكّر بيته الذي أُبْعِد عنه بسبب قائده، وتذكّر أقرباءه وأصدقاءه الذين قتلوا لأنهم طالبوا بقائد حقيقي…

تذكّر أنه عربي، وهذه حال العرب عموماً، وأنه سوري لاجئ من ظلم قيادته…

وأدرك أنه لا يعيش في العالم الثالث فقط؛ بل في عالمٍ لا رقم له ولا انتماء، ولا يسوده إلا الظلم والقهر.

فهم ربيع معنى الوطنية وقيمة العدل، ودخل منزله على أضواء الألعاب النارية التي ملأت السماء فرحاً، والتي لم يرَ شبيهاً لها في وطنه سوى أضواء صاروخ عابر في ليل بهيم يحمل الموت! فلا شيء يدعو للفرح هناك…

تذكّر القذائف التي كانت تلعب في سماء وطنه؛ دفاعاً عن قائد متجبّر ولّي عليه رغماً عنه…

ونام ربيع وهو يحلم بفجر جديد ليس في شامه أبلهٌ قابع في قصر مزيّف…

التعليقات متوقفه