السوريون إخوة بالدَّم والكيماوي – جوان سوز

السوريون إخوة بالدَّم والكيماوي

جوان سوز

عندما كنت صغيراً؛ كنت من متابعي بَرنامج “حدث في مثل هذا اليوم”، وحينها كانت الشرطة هي التي تسرق من الشعب في ليلة الثلاثاء على شاشاتنا الحزينة بالأبيض والأسود، وكان علاء الدين الأيوبي شاباً ومهران يوسف ختياراً، والستلايتُ لم يكن أكثر انتشاراً, كما كانت الخمسة والعشرين ليرة ذات قيمة كَبيرة تصلُكَ بين مدينة وأخرى، وتمنحُكَ التجوّل في قلب مدنٍ كبيرة مثل حلب أو دِمشق, حينها لم تكن هُناك حواجز على الطريق وأنت تتجهُ إلى العاصمة, ولم يكن هُناك مجموعات من الملثمين والمقنَّعين ولا أعلام مُلَونة, لم يكن طريق السَلميّة وحمص ذهاباً وإياباً، ولم تكن تمر به خمسة آلاف سيارة في اليوم الواحد، وحماة كانت ترحب بِكُم دون جثث, فقط  كانت القبور القديمة تنتظرُكَ هُناك قرب النواعير.

وأذكر أيضاً عندما كُنتُ صغيراً؛ أني لم أسمع بعيد الحُب إلاّ بعد مقتل رفيق الحريري على يد قيادتنا الحكيمة، ولم أرى أحداً يتبادل الهدايا مع الحبيبة أمامي. كنتُ أعرف عيد الشجرة فقط، ونعطّل في حرب تشرين التخريبية, حينها كانت جدران مدارسنا موحدة باللون الأصفّر، وكنت أشتم الحركة التصحيحية, الحركة التي لا نعطّل في يومها، ويطبّل ويزمّر لها مديرنا في المدرسة ويقول: “هذه إنجازاتنا, هذه انتصارتنا…!”.

اليوم تقاعد المدير، وبقيت كلماته ذكرى تعيسّة في حياتي, كنت صغيراً, كان الوطن أجمل, العصافير كانت تغرد في كل مكان, كان الفروج رخيصاً والدولار غائباً, لم نكن نتعامل بالعُملة الصعبة واللحمّة لم تكن تهريباً, ولم تكن جارتي تسألني عن مكتب الإغاثة أو حتى الهلال الأحمر, كما لم يفكر ولدها يوماً بالانشقاق عن الجيش العربي السوري والإقامّة في مخيم الزعتري أو الالتحاق بالجيش الحُر، ولم أكن نازحاً هنا في تركيا!

كل شيء كان جميلاً, كُلّ شيء إلا الحزب الواحد الأحد والدكتاتور الخالد والابن الحي, كانت الحياة في وطني أفضل بكثير من التشرد في دول الجوار, كنت صغيراً، لم أكن أعرف ما هي حقوق الطفل ولا حقوق الإنسان، ولا أعرف ما هو عمل المنظمات الإنسانية، ولكني كنت أرى ماذا يفعل النظام بمعتقلينا وكيف يداهِمُ الأمن بيوتنا عند الفجر ونحن نركض لجيوبنا الفارغة من النقود, كانت الخمسمئة ليرة تحلّ أكبر مشاكلنا والرشاوي مزروعة بِدمِنا كالشتائم.

كنت صغيراً لا أعرف ما هي التكنولوجيا وماذا يعني الحاسوب، كنا نكتفي جميعاً بالهاتف الأرضي وصندوق البريد, اليوم اختلف كل شيء.

كنت صغيراً, لم تكن البشرية تعرف الفيسبووك ولم تكن مجزرة الغوطة موجودة, الأكراد كانوا يستنكرون مجزرة حلبجة في منتصفِ آذار، واليوم بات العرب والأكراد إخوة بالكيماوي، ويسقط  النظام الذي يجرّنا نحو الطائفية, فنحن السوريون إخوة بالدم ويلعَّن روحَك يا حافِظ…

التعليقات متوقفه