لجأت إلى تركيا آلاف المعتقلات السابقات في سجون النظام السوري، كثير منهن أتين برفقة أطفالهن، وبعضهن تزوجن داخل الأراضي التركية وأصبحن أمهات، هؤلاء الأمهات وجدن مراكز للدعم النفسي، لكن أطفالهن لم تشملهم هذه الرعاية النفسية التي تقدّم لأمهاتهم، خاصة وأنهم عانوا منه الآلام النفسية التي عانين منها خلال فترة اعتقالهن والضغوطات والمشاكل التي رافقتهن بعد إطلاق سراحهن وعودتهن للاختلاط بالمجتمع من جديد.
إن كثيرين من هؤلاء الأطفال تركوا وحيدين مع أمهاتهم، وأضيف إلى دور الأم التي تعاني في الأساس من آثار الاعتقال دور الطبيبة النفسية والمعيلة، التي ينبغي عليها تربية ابنها وتهيئته نفسياً كي يستطيع التعايش مع محيطه، والاندماج في المجتمع التركي الذي يعتبر جديداً عليه، خاصة أنه عاش في بيئة مختلفة، وإذا كان معتقلاً مع والدته فإنه يكون قد مرّ ببيئات عيش مختلفة ثلاث.
نورة “س” معتقلة سابقة في سجون النظام السوري، تعيش في مدينة أنطاكيا جنوبي تركيا، هي أم لثلاثة أطفال، تركها زوجها بسبب اعتقالها وعند خروجها من المعتقل لجأت إلى تركيا برفقة عائلتها، تقول لمجلة الغربال “قصدتُ عدة منظمات أهلية تعنى بالدعم النفسي، وجميعها كانت تهتم بصحة المعتقلات النفسية لكن لم تكن لديها أية برامج مخصصة لأطفالهن، وكانت بعض تلك الجمعيات ترفض دخول الأطفال الذين يزيد عمرهم عن 12 عاماً، كونهم قادرون على الاهتمام بأنفسهم أثناء فترة وجود الأم في مركز المنظمة”.
تضيف نورة ” أشعر بقلق دائم من تصرفات ابني البالغ 13 عاماً الذي عاش لدى جدته أثناء فترة اعتقالي التي قاربت السنة، وكان يسمع كل يوم عن معاناتي، وعندما خرجت قابلني وقد تغيرت صورتي أمامه، لقد خرجت مريضة هزيلة، هذا الطفل بات عدوانياً وأنا أخاف عليه من افتعال شجارات في مدرسته ومع أقرانه، لا يسمع كلامي، ولا ينفّذ إلا ما يرغب بتنفيذه، ويتفلّت بشكل متكرر من أداء واجباته المدرسية، حتى أني استدعيت عدة مرات من قبل مدير مدرسته”.
تؤكّد نورة في حديثها لمجلة الغربال أنها قصدت جمعيات تركية من أجل إدراجه في برامج الدعم النفسي المخصصة للأطفال، لكن تلك الجمعية اعتذرت، على حد قولها، وأخبرتها أن لا برامج مخصصة للأطفال السوريين، لكنّها رحبت بانضمامها لأحد تلك البرامج التي يشرف عليها أخصائيون نفسيون إن رغبت.
“أم يوسف” معتقلة سابقة تقيم في مدينة شانلي أورفا، تقول لمجلة الغربال “لدي طفلان أكبرهما بات وضعه النفسي يحزنني، فهو انطوائي مع أن عمره يبلغ سبع سنوات، وبات الخوف لا يفارقه وخاصة عندما رأى بعض الندوب الناتجة عن التعذيب في المعتقل على جسدي، إنه لا يرغب بالدراسة ولا اللعب مع الأطفال، يريد البقاء معي بشكل دائم أو اللعب بألعاب الهاتف الجوال، وعندما يعود والده من العمل مساءً، يعامله معاملة الغرباء ولا يحتك به إلا نادراً، مع أن الأب حاول التقرّب منه”.
وتضيف أم يوسف “طلب مني زوجي أن أسأل إدارة المركز الذي أتلقى فيه جلسات دعم نفسي إن كان ممكنناً إلحاقه بنشاطات دعم نفسي، لكن الإدارة تعذّرت بأنه لا توجد برامج مخصصة للأطفال، لكن مسؤولي المركز لم يمانعوا من إحضاره معي، وعندما أحضرته لم يكن هناك الكثير من الأطفال، ورأى أن لا اهتمام به، فبات بعدها يرفض القدوم معي إلى المركز”.
لا توجد إحصائيات رسمية لعدد الأطفال من أبناء المعتقلات السابقات في سوريا، لكن أم يوسف تقول إن هناك 40 سيدة يتلقين الدعم النفسي في أورفا، لديهن أكثر من 100 طفل، ومثلهم في هاتاي بحسب نورة. وإن ترك هذه الفئة من الأطفال دون رعاية نفسية سيؤثر بشكل كبير على مستقبلهم وتحصيلهم العلمي، وتفاعلهم في المجتمعات التي يعيشون فيها، كما أن هذه الندوب النفسية ستترك في نفوسهم وصمة تبقى معهم مدى الحياة، بحسب الاختصاصية النفسية والتربوية والمستشارة بالدعم النفسي والاجتماعي رزان مصطفى.
وترى مصطفى “أن الاهتمام بأطفال المعتقلات السابقات لا يقل أهمية عن الاهتمام بأمهاتم، خاصة وأن كثيرين منهم قد يكونوا اعتقلوا معهن، أو البعض منهم حرم من الحنان أثناء فترة وجودهن في المعتقلات، وربما يكونون قد تعرضوا للإهمال أو التعنيف في تلك الفترة، ولم يكن هناك من يرعاهم أو يهتم بهم، كما أن آخرين قد تركوا دون آباء، بسبب الانفصال بين الزوجين نتيجة اعتقال الزوجة”.
يوضح الحقوقي عمر بكور لمجلة الغربال “أن من حق أي سوري موجود على الأراضي التركية الاستفادة من جميع الخدمات الصحية والنفسية، وهذا مضمون بحسب قوانين حقوق الإنسان وقانون “قانون الحماية المؤقتة” الذي يخضع له السوريون الموجودون في تركيا، لكن هناك تقصير من المنظمات العاملة على الأراضي التركية، وتكثر هذه الظواهر في الولايات التركية الجنوبية”.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن 9774 امرأة ما زلن قيد الاعتقال والاختفاء القسري، ومنهن 8096 مغيبات في سجون ومعتقلات النظام، وتحدثت الشبكة عن وقائع مرعبة من أنواع التعنيف والتعذيب الجسدي والنفسي الذي تتعرض له المعتقلات، ويشمل ذلك حالات التحرش الجنسي والاغتصاب المستمر، كما أنه ثمة عدداً من المعتقلات فقدن حياتهن تحت التعذيب.
وتقول جمعية اللاجئين التركية إنَّ عدد اللاجئين السوريين بلغ نحو 3.701.584 لاجئاً مسجّلاً في قيود دائرة الهجرة وشعبة الأجانب، حيث شكّل الرجال السوريون 52.8 بالمئة من إجمالي عدد السوريين، في حين تبلغ نسبة النساء 46.2 بالمئة، وذهبت الإحصائية إلى أنَّ عدد السوريين ممن هم دون سنّ العاشرة يبلغ 1.720.000، في حين بلغ عدد الشباب نحو 755.790، تراوحت أعمارهم بين 15 و24 عاماً.
ويتنافى حرمان هذه الفئة من الأطفال من الدعم النفسي مع ما ورد في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي قال إن “لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته، وخاصَّةً على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحقُّ في ما يأمن به العوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمُّل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”.
“تم إنتاج هذه المادة بدعم من صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR”
التعليقات متوقفه